بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الأول 2018 12:05ص سامية كنعان... مطربة قديرة ابعدتها موجة الغناء الهابط

حجم الخط
أصوات غنائية قديرة وكبيرة لأسماء عريقة مرّت في عالم الغناء الأصيل، وتركت أثرها الطيب على مسيرة الغناء في لبنان، قبل ان تغادر الساحة عن طيب خاطر، إعتراضاً على التغيير الذي طرأ على مسار الغناء والتلحين، وبحيث اصبحا مبنيين على الشكل والرقص والإيقاع فقذ لا غير وبدعم كبير من وسائل اعلام وإنتاج، ذات الطابع التجاري البحت، وذلك في خلال الحرب اللبنانية المشؤومة (1975 - 1990).
ومن أبرز هذه الأصوات، المطربة الكبيرة «سامية كنعان» التي لم يتعرف عليها جيل باكمله، فهي صاحبة صوت قدير، مميز، يملك مساحة شاسعة ويتمتع بخامة نادرة مصحوبة بأساس كبير.
سامية كنعان، وفي مئات الأغنيات العاطفية والوطنية التي قدمتها على مدى 15 عاماً (هو عمرها الاحترافي) 1960-1975، كانت تعيش الكلمة، وتجسدها بأبهى صورة... وكانت من المطربات القليلات القادرات على التغريد، وهذا يعود إلى ثقتها بنفسها وبإمكاناتها الإدائية وثقافتها الموسيقية، وهي التي تكشفت موهبتها الغنائية وجمالية صوتها منذ الصغر، وتنبأ لها التاريخ بأنها مشروع فني ناجح سيكون لصاحبته شأن كبير في عالم الطرب، وقد صدق وتعرف جيلنا كيف كان للوسط الفني مطربة كبيرة إسمها سامية كنعان.
تعرفت إليها في سنوات الستينات، وكانت تقيم مع أشقائها في محلة «الإيدن - روك»، بمنزل مطلل على البحر، ويتألف من طابق واحد..
تكررت اللقاءات بيننا، ومحورها دائماً كان الغناء والموسيقى ودورهما في تثقيف المجتمع والوطن، ولطالما استشهدت سامية كنعان بدور «كوكب الشرق» أم كلثوم في توجيه الرأي العام، وفي دعم الدولة (بعد نكسة العام 1967)، وكيف ان تراثها الغنائي الراقي وسمعتها النقية، وشخصيتها المتفردة، كانت وراء إنجاح كل الحفلات التي اقامتها لدعم مصر، معلقة بأن «هكذا تكون المطربة المتكاملة، صوتاً وشخصية وأداء واحتراماً وثقافة، ان هي أرادت ان يكون لها دورها في المجتمع والوطن»، ورافضة، بهذا الرأي، ان يكون دور «المطربة» محصوراً فقط بالغناء على حساب «السمعة الفنية»!؟ ومؤكدة انها ستسارع إلى الاعتزال، مهما كانت مغريات الاستمرار، ان وجدت نفسها في «بيئة فنية» لا تتطابق أو تتماشى مع مفاهيمها وقناعاتها، وهذا ما أقدمت عليه، وأعلنت الانسحاب من ساحة الغناء مبكراً جداً، وهي في قمّة عطائها الفني، تاركة لنا «مكتبة غنائية» من مئات الاغنيات الشعبية والطربية الرومانسية والوطنية، لكبار الشعراء والملحنين، بعدما انحدر فن الغناء والتلحين وثقافة مغنيه ومغنياته إلى مستوى «السوقية» في كلماته، وانحدرت معه «ادبيات» الطارئين على الساحة، والأهم، بعدما أقفلت معظم شركات الإنتاج اللبنانية أبوابها، وبزغ فجر نجومية «الجميلات» و«عارضات الازياء»، ومعهن شركة إنتاج مسلحة بملايين الدولارات، عمدت إلى إغفال التعامل مع من يستحق، وصرف الأموال على «الطارئات» و«الطارئين» فقط لا غير..
سامية كنعان، وبرغم الصعوبات العائلية التي واجهتها خلال مسيرتها الفنية، عُرفت بتحديها لكل الظروف، فثابرت على «حرية إنتقاء الكلمة» وعلى «إنتقاء الملحن المناسب»، لكنها «سقطت» في مواجهة «الموجة الساقطة» العاتية، المصحوبة بالثروات، فأنزوت، وهي تعلن: «لكم فنكم ولي فني»، مستذكرة قول جبران خليل جبران (1883 - 1931): «علموا الإنسان ان يرى بسمعه ويسمع بقلبه، فالموسيقى هي لغة النفوس، والالحان نسيمات لطيفة تهز أوتار العواطف، بسهولة التعبير، وحلاوة التلوين، ولطافة الوقع، وسلامة الذوق، وعمق الإحساس، والابداع في الوصف والتشبيه».