بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2019 12:20ص سهرة دسمة مع «مايا حبيقة» في «خان الصابون» -

صيدا القديمة أغانٍ حميمة.. حنجرة صافية وقادرة تتميّز عن المتوفر...

حجم الخط
شهد خان الصابون أو مقر عائلة عودة (بنك عودة) في صيدا القديمة ضمن بناء جميل ولافت من 3 طبقات أعيد ترميمها وتحديثها، حدثاً فنياً جميلاً منظماً وذا مستوى رفيع ليلة الثلاثاء الماضي في قاعته المصممة لإستقبال فعاليات ثقافية، فنية، ومتنوعة.
المطربة الشابة «مايا حبيقة» (إبنة شقيق المايسترو الراحل رفيق حبيقة) أحيت حفلاً غنائياً على مدى 70 دقيقة يرافقها تخت شرقي تألف من خمسة عازفين: عمران عدرة (قانون) ناريغ عباجيان (بيانو) سهيل الياس (ايقاعات) رودي فيلدر (سويسري - كونترباص) توم هورنيغ (أميركي - ساكسوفون)، كانوا جميعاً متآلفين حاضرين متحمسين، يعزفون من قلبهم، وقلوبهم على إنجاز ما هو صحيح في مواكبة موهبة «مايا» الغنائية والتي تتسم بالنضوج والوضوح والثقة بالنفس.
«تغني كأنها لا تغني..» نعم هي تمارس طقساً فنياً تحبه، ولا تجد صعوبة معه أو فيه، مع ذاكرة أهم من ذاكرة الفيل في دقتها وقوتها فهي لم تعد إلى وثيقة تساعدها في تذكر كلمات الأغاني وإن كانت خاصة بها، بل هي تباشر الغناء وحسب، فقط تلقي نظرة خاطفة على تراتبية الأغاني المتفق عليها مع رفاقها من العازفين الذين يعجز الوصف عن وفائهم حقهم من الإجادة والتجاوب، وقلة الإشارات بينهم وبينها فقط إيماءة من رأسها أنها جاهزة وتنطلق.
نحن إزاء موهبة تستحق أكثر من المباركة. مطلوب دعمها ومواكبتها والبقاء على مسافة قريبة من حركتها في مجال الحفلات واللقاءات وصولاً إلى الخيارات المختلفة مستندة إلى خصوصية جد متميزة في أدائها إلى جانب طبيعة صوتها وكيفية تعاملها مع الجمل الموسيقية المختلفة... وإذا كان ظهر جلياً في أغنياتها الخاصة التي إشتغلت عليها مع شقيقها جاد (ورق أحمر، خليني الليلة، شي بيلوي القلب، لو تكتبلي، حلم محدود، ع بواب، ما تسألني، يللي ما لقيت، لو بتضلك) فإن ما شملته السهرة من برمجة كان جديراً بالاهتمام لأنه أعطى فكرة حاسمة عن قدرات «مايا» وفهمها لأسرار ما تغني، فعندما أدت لزياد الرحباني من كلمات طلال حيدر: «دورت إيام الشتي» بدت الطبقة العادية والأقرب إلى المحكية فيها عناصر جاذبة، صافية، شفافة، مع ميزة أن أسلوب أدائها يعكس فهماً خاصاً في أدائها من دون أي تغيير في جوهرها، وهنا حلاوة ما إستمعنا إليه.
والحال إياها برزت عندما رفعت الطبقة والصوت مع لحن وليد غلمية وكلمات الراحل مؤخراً الشاعر موريس عواد: «دوبارة» وكل هذا من دون شقاء أو جهدإضافي في الأداء، لأن العفوية جزء من شخصيتها الغنائية لا تتخلى عنها أبداً في كل ما تؤديه، فكان الصوت فرحاً، مطواعاً، ومريحاً للروح والأذن.
تبدّلت الصورة مع أنغام محمّد القصبجي، وكلمات مأمون الشناوي لأغنية «إمتى حتعرف» التي جاءت خليطاً من الرومانسية الكاملة، وشيء من التلوين في إحساس الكلمات والعبارات المستعملة، خصوصاً وأن مناخ اللحن يحتاج إلى رشاقة خاصة في الأداء، وكذلك فعلت مع لحن ثانٍ لزياد: «بعتلك» وكانت الحصيلة التعرف على مدارات وقدرات الصوت في تعامله مع ألحان متباينة في طبيعتها وتكمن صعوبتها في ظهورها وكأنها سهلة، لأن طبيعتها تعتمد على الهنك المنخفض، والحقيقة أن هذا النوع هو الأقسى والأكثر مناعة على صغار المواهب.
الرحلة إلى صيدا، كما التعرف إلى «خان الصابون»، كما متعة الإصغاء إلى أداء «مايا حبيقة» مع عازفيها الخمسة، شكلت محطة لا تنسى، تبقى في البال كما في القلب، فكل ما وكبناه في السهرة كان حميماً، تميزه أجواء هادئة، لا أصطناع فيها، ونريد هنا مباركة الأسلوب الحضاري في الإستماع عند كل الذين لبوا الدعوة ومعظمهم من فعاليات صيدا، السياسية، والاقتصادية، والعامة، بمعنى أن المكان كما الحدث جذباً أنماطاً متنوعة من أهل المدينة، جاءوها من القسم العصري الحديث، ليعيشوا أوقاتاً طيبة ممتعة في الصورة القديمة لما كانت عليه المدينة من عمران وتراث.