بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 شباط 2019 12:00ص شهداء الغرام في مرثية راقصة لـ «علي شحرور» على خشبة المدينة

«ليل» تختصر لواعج المحبّين وتصهرها حتى تحوِّلهم إلى راحلين حاضرين...

حجم الخط
بدءاً من 24 كانون الثاني/يناير 2019، إكتفى الكوريغراف المتميز علي شحرور بتقديم ثلاثة عروض من عمله المسرحي الراقص «ليل» على خشبة «المدينة»، بعد ثلاثيته الرثائية، والميلودرامية فاطمة (2014)، موت ليلى (2016)، وعساه يحيا ويشم العبق (2017).
أليفة أجواء «شحرور» وقريبة من الحنايا، الكلام فيها قليل، والرقص التعبيري الحديث كثير، لكن مع «ليل» كانت هناك ضرورة للشرح فإنتقال هذا الفنان من طقوس الموت والغياب والدموع، إلى أخرى فيها ذوبان مع الذات وتضحية من أجل الآخر وصولاً إلى الإستشهاد تحت مسمى العبارة الشهيرة: «من أحب فعفّ فمات فهو شهيد»، إذن هناك شرط العفة، والحب الحقيقي، وهي تأتي متواكبة في آن واحد مع عمل كارلوس شاهين: «وهم» الذي يلتزم موقف الكاتب الروسي إيفان خيريباييف القائل بأن الحب نكرة، والمحبون يدعون الحب كذباً.
الفصحى المعتمدة في لغة النص، تجيء في مكانها، وهي صحيحة مئة في المئة، ولا ننكر أننا تعمدنا رصدها لتبيان دقتها فكانت ملتزمة بقواعد اللغة، رغم إستعمال العديد من المفردات الممنوعة من الصرف، إستناداً إلى إعداد جيد للفنانة حلا عمران والمخرج جنيد سري الدين، وجاءت لوحات الأداء التي نفذها فريق متجانس تألف من خمسة عناصر على الخشبة يتقدمهم ويديرهم المخرج والراقص علي شحرور، ومعه: حلا عمران (سوريا) سيمونا عبدالله (فلسطين) وآية متولي، إضافة إلى العازف المبدع على الغيتار (مثل متولي) شريف صحناوي الذي حضر نجماً حقيقياً قادراً على التفنن في التعامل مع آلته في أكثر من وضيعة، واقفاً أو نائماً - نعم ممدداً على الأرض - كما في مشهد واحد مع آية: غيتاران على الأرض والعزف لم يتوقف.
هادئة كما عنوانها «ليل»، لا صخب، ولا فوضى، ولا فنتازيا، إنها بكل بساطة: عفوية، فطرية، يشعر بها المتابع نابعة من قلب وعقل كل مشارك في الرقص خصوصاً «سيمونا» التي تدخل في سياق الدور مغرومة جداً، ومتفاعلة أكثر بغية تحقيق التصعيد المطلوب الذي يوصل إلى الاستشهاد، نعم نحن أمام مشهدية تعبق بمشاعر شهداء الغرام الذين يندفعون حتى أقصى مشاعرهم لبلوغ السعادة الحقيقية، فإما نيل رضاب الحبيب، أو الموت تمهيداً للقياه في المقلب الآخر من الحياة.
يمر صمت بين مشهد وآخر، أشبه بمحطة شحن تضع المتابع في صورة العطاء اللامتناهي الذي يبذله المحبون عبر قصص وأحداث ومفارقات عرفناها مع أشهر المحبين الذين لم يكترثوا لنهاياتهم المأساوية طالما أن الحب هو الراية المرفوعة دائماً تحقيقاً لخلود وسعادة الإنسان.
صوتا «حلا» و«آية» كانا معبرين آسرين وفاعلين (ردّت بس شوفتك، من غاب دلالي، عيني لغير جمالكم لا تنظر)، مع مناخ يذهب دائماً صوب الطقس الديني، عبر ضرب البدن والرأس، لإستشعار ألم رديف يوصل إلى النهاية حيث الحبيب، أو طي صفحة الحياة ما دامت من دون هذا القريب.
نعم هناك حب، وهيام، وكلام عميق شاعري ومؤثر في هذا المجال بما يعني أن «شحرور» لا يريد أن يغادر الصورة التي وضع إطارها في أعماله السابقة، حزن دفين، وسوداوية واكبت الحب الذي كلما أشرق عاد وخبا لأن طرفي الغرام أسيرا الظروف المحيطة بهما والتي تؤدي إلى إنكفائهما ومن ثم رحيلهما عن هذه الدنيا.
للإضاءة في «ليل» إحساس نبيل وحقيقي مع «غيوم تيسون» الذي أعطى الإنطباع على مدى العرض برومانسية العاطفة، ووحشة الفراق، ثم بدموع الأحبة على الراحلين تباعاً ممن إعتبروا أن الحب هو البداية وهو النهاية.
«ليل» حالة راقصة مؤثرة درامياً، يُؤكّد معها الفنان شحرور أنه سيّد لعبته، وأحد عدّة أسماء على ساحتنا المحلية والعربية ترفع لهم القبعة (وليد عوني، عمر راجح على سبيل الحصر)، في وقت نسعد أكثر كلما تابعنا عروضه العالمية مع نجاح خاص ومدوٍ، بما يُؤكّد أن فنانينا المبدعين ما زالوا من أهم سفراء هذا البلد على خشبات العالم.