بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آب 2018 12:05ص «فينيقيا الماضي والحاضر» لـفرقة «كركلا» في مهرجان «بيبلوس»:

اللوحات.. الأزياء.. والموسيقى.. عوّضت غياب التاريخ عن العرض

حجم الخط
إنه العمل السابع عشر في تاريخ الفرقة التي تحتفل هذا العام بمرور 50 عاماً على إنطلاقتها مع الأستاذ المؤسس «عبد الحليم كركلا» الذي يقترب هذه الأيام من الـ 78 عاماً، لكن عوده ما زال صلباً وفكره يضخ الأفكار بدليل تعاونه الديناميكي مع نجله «إيفان» حامل الراية بثقة وعمق ووفاء مع شقيقته مصممة الرقص «أليسار»، والثلاثة حضروا في المفاصل الأساسية لـ «فينيقيا الماضي والحاضر» التي عرضتها مهرجانات بيبلوس الدولية ليلتي 17 و18 آب/أغسطس.
لا نقاش في موضوع نفاد التذاكر، مع حضور رسمي وأمني وشخصيات سياسية، ونوعية متميزة من الجمهور الذي يعنيه نمط عروض وفن «كركلا» البعيد عن الإستسهال وتداخل المشاهد بشكل عشوائي. نعم أراد العمل من خلال عنوانه الجمع بين ماضي مدينة جبيل والكل في رحاب مبانيها وشوارعها والمعالم الشهيرة والخالدة فيها، وحاضرها حيث تعتبر مربعاً سياحياً له إعتباره في برمجة المواقع ذات القيمة على إمتداد لبنان والمنطقة.
في الذهن قبل الذهاب إلى المهرجان، صورة مزدوجة عما سنراه على المسرح، فالعنوان وحده يُعطي هذه الدلالة، الماضي بداية لم تبدُ معالمه إلاّ في المشهد- المدخل للعمل ولمدة دقائق قليلة فقط، ثم غاب تماماً إلاّ من بعض العبارات التي ردّدها الممثلون تقدّمهم المخضرم «منير معاصري»ومعه المخضرم الرائع «جوزيف عازار»، وأحد فناني اليوم المحترمين ممثلاً ومخرجاً وكاتباّ «غبريال يمين» الذي يتمتع على الدوام بكاريسما حضور لا تُنافس، مع الفنانة الكبيرة «هدى» الرائعة الحضور إلتزاماً وتواضعاً، والفنان رفعت طربيه، وتحوّل معظمهم إلى أسرة للفرقة العريقة. وكان ممكناً الإشتغال على الموجة الأولى لوقت ما ثم الدخول في عالم الرواية الذي يتسع لأكبر مساحة متميزة من الأفكار والحيثيات من حضارة العصر المبنية على إرث التاريخ.
الذي حصل أن الإنتقال إلى المعاصر جاء سريعاً، فلم يكد الماضي يُطل برأسه حتى أطاح به الحاضر وإستوعبه قبل أن يُلغيه بالتمام على إمتداد وقت الفصلين وبينهما 15 دقيقة إستراحة. وهنا كان التنافس قوياً وعميقاً بين اللوحات ومبدعتها من جهة، والفعل الإخراجي للمبدع «إيفان»الذي أثبت بإخراجه أكثر من نصف أعمال الفرقة حتى الآن، أنه رقم صعب في لعبة المسرح الراقص، حيث يحمل الجينات التي لوالده، ومعها الدراسة الأكاديمية في لندن، والعملية في روما، وبالتالي فإن الخلاصة تُعطي نتيجة عشرة على عشرة للإخراج، الذي بلور وأظهر كامل جماليات اللوحات ومعها الملابس التي صممها كما سيناريو وحوار العمل الأب المؤسس «عبد الحليم».
العربة البيضاء الكبيرة كانت فعلاً توحي بالتاريخ من دون أن ترويه أو تهتم بالتفاصيل من حوله، الخلفية حاولت من وقت لآخر سد فراغ التاريخ فلم تكن كافية لهذه المهمة، لقد طغى الحاضر بقوة، وكانت صورته على نسق ما عرفناه في معظم المسرحيات الـ 16 السابقة (اليوم بكرا إمبارح، غرائب عجايب، الخيام السود، طلقة النور، حكاية كل زمان، أصداء، حلم ليلة شرق، أليسا ملكة قرطاج، الأندلس المجد الضائع، بليلة قمر، ألفا ليلة وليلة، فرسان القمر، زايد والحلم، أوبرا الضيعة، كان يا ما كان، و إبحار في الزمن) من رحاب الرقص البديع والملابس الخلاّبة الألوان والإخراج الذي لا يُفوّت شيئاً إلاّ ويرصده على الخشبة التي تبدو متكاملة المشهدية مع موسيقات (للأب المؤسس) مختارة بعناية، وإضاءة مبهرة. 
«فينيقيا الماضي والحاضر» حضور جديد لـ «كركلا». يجب إحترام نهجه وتصوّره ورؤيته للأمور من وجهة نظر فنية خالصة، في وقت تتدرّج الأمور في العمل تصاعدياً حتى بلوغ أقصى المعنى من خلال ما أمكن من الرقص والأنغام والضبط الإخراجي العالي القيمة.