بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيلول 2019 12:00ص محطات غائبة من مسيرة سيمون أسمر

الراحل المخرج سيمون أسمر الراحل المخرج سيمون أسمر
حجم الخط
غيّب الموت المخرج سيمون أسمر بعد صراع مع المرض استمر لسنوات، نجح الراحل في مقاومته (وإخفائه) لزمن، إلّا انه استسلم له في نهاية المطاف، بعد أن عجز الأطباء المهرة عن تقديم أي علاج لإبعاده، وبذلك، انتهت رحلة هذا المبدع مع الحياة عن عمر 76 عاماً...

فمن هو هذا المخرج، مكتشف النجوم وصانعهم في مختلف فروع فن الغناء، والذي استمر لسنوات طويلة شاغل الدنيا ببرامجه التلفزيونية المتعدّدة والمتنوّعة؟

هو «سمعان - سيمون - بطرس أسمر»، المولود في الثاني من كانون الثاني العام 1943... من بلدة غزير... وهو الإبن لأسرة مكوَّنة من الأخ «توفيق» والأختين «ايلين» و«يولا».. متزوّج منذ العام 1977 من السيدة «ندى رزق الله كريدي» ولهما ثلاثة أولاد: نسيم، كريم، وبشير... تلقّى علومه في الفنون والإلكترونيات، ثم درس هندسة الصوت، وتخرّج العام 1960 ليلتحق بتلفزيون لبنان، وبعد عام واحد، تلقّى دروساً في إعداد الفنانين... وفي العام 1968، تلقّى دروساً في اعداد وإخراج البرامج، لتكون إطلالته العملية الأولى في هذا المجال، العام 1972، ببرنامجه «استديو الفن» عبر شاشة تلفزيون لبنان، وهو البرنامج الذي خرّج عشرات الأصوات الغنائية بات أصحابها - في ما بعد - نجوماً في عالم الغناء، وبعضهم في عالم السينما أيضاً (وليد توفيق، ماجدة الرومي، أحمد دوغان...).

وفي خلال الأحداث المؤلمة التي قسّمت العاصمة بيروت إلى «شرقية» و«غربية»، غادر سيمون أسمر تلفزيون لبنان (البعض يقول مرغماً والبعض يُؤكّد لأسباب الإقامة والعائلة) وملبّياً بذلك - بعد سنوات - رغبة تلفزيون ناشيء كان على وشك الإرسال، (المؤسسة اللبنانية للإرسال - LBC )، ليعدّ وليخرج مئات البرامج الترفيهية والفنية والإجتماعية والثقافية وسواها، وحيث شغل في التلفزيون المذكور مهام مدير قسم برامج المنوعات، والمسؤول عن العلاقات العامة، والعضو في مجلس الإدارة البرامجية، وليفتح، بالإشتراك مع LBC (الإسم يومذاك) مكتباً فنياً لإدارة أعمال الفنانين، خرّيجي برنامجه «استديو الفن»، الذي أصبح له دورة كل أربع سنوات.

 ولأسباب غير معلومة أو مؤكدة وان كان البعض يصفها بـ «السياسية»، غادر سيمون أسمر LBC بعد أن أصبحت LBCI وLDC، إلى شاشة أخرى جديدة ومميّزة (MTV)، وأولى إطلالته عبرها كان من خلال برنامجه الشهير «استديو الفن» وحيث قدّم منه عبر الشاشة المذكورة «دورة واحدة»، بعد ان حالت الأوضاع غير المستقرّة في لبنان، دون استمرار بقية الدورات!

والمخرج سيمون أسمر، هو صاحب ومطلق ومؤسّس فكرة «نهر الفنون» أحد أكبر التجمّعات السياحية - الفنية في لبنان، وكان يعتبر «المنصّة» الأولى لإطلاق المواهب من خرّيجي «استديو الفن»، وهو كذلك المستشار والشريك لـ «مروان أبو الغنم» في شركة «ميلودي» للإنتاج الفني - دبي.

والمخرج الراحل سيمون أسمر، تعرّض في حياته لصعوبتين شديدتن أثّرا على مسيرته الفنية، الأولى صحية، والثانية مالية.

فهو في العام 2006 وتحديداً في نهاية شهر أيار وقّع عقد إستثمار مع «كازينو بيسين عاليه» بمبلغ مادي كبير، وأعدّ له العدّة الكاملة للإفتتاح في بدايات شهر تمور، والحال نفسه أقدم عليه في «نهر الفنون»، وحيث ان الاستثمارين كانا لأجل مديد، وهو دفع ما كان معه من أموال نقدية للتجهيزات الصوتية والفنية وللتعاقدات مع الفنانين، بعضهم من مصر والبعض الغالب من لبنان... وفي اليوم المحدّد شهد لبنان افتتاحين كانا حديث بيروت... ولكن «يا فرحة ما تمَّت»؟! وحيث تطايرت الصواريخ المتبادلة في سماء الجنوب بين «حزب الله» من جهة والعدو الإسرائيلي من جهة ثانية، لتطال في خلال ساعات سماء وأرض وبحر كل لبنان، ما أدَّى إلى «موت» موسم العام 2006 السياحي، وإلى تأرجح الأوضاع ما بين السيئ والأسوأ في المرحلة التي تلت هذه الحرب، بسبب النزاعات السياسية التي امتدّت لأشهر طويلة، وإلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية (الرئيس ميشال سليمان) بعد اتفاق الأفرقاء المتخاصمين، على بنود ما أطلق عليه تسمية «إتفاق الدوحة»... وكان من البديهي أن يعجز سيمون أسمر عن الوفاء بالشيكات التي كان قد دفعها لأصحاب العلاقة، الذين رفعوا الدعاوى وحُكم على المخرج بالسجن؟!

خرج سيمون أسمر من سجنه عارضاً فيللته للبيع ولو بنصف الثمن الذي تساويه: 6 ملايين دولار، لحاجته الماسّة إلى مال يسدّد به ما تبقّى عليه من شيكات غير مسدّدة بعد، ولكن من أين سيأتي بالمشتري والوضع الإقتصادي - السياسي في لبنان في غاية التأزّم؟َ!

وفي تلك المرحلة، تلفّت المخرج الكبير الذي أغنى باكتشافاته الفنية معظم نجوم الغناء المتسيّدين للساحات المحلية والعربية والأوروبية وصولاً إلى بلاد الاغتراب، لكنه، وللأسف، لم يجد من يمدّ له يد العون سوى قلّة قليلة بل نادرة، ومن هؤلاء الفنانة «أصالة» التي استمرت على تواصل مع المخرج الكبير في خلال محنتيه الصحية والمادية، ومثلها اللبنانية نجوى كرم..

وفي تلك الأثناء، كان الخلاف المحتدم بين صاحب «المؤسسة اللبنانية للإرسال» الشيخ بيار الضاهر من جهة، و«حزب القوات اللبنانية» ممثلاً برئيسه «د. سمير جعجع» من جهة ثانية، يتزايد إلى حدّ وصوله إلى المحاكم القضائية التي قضت بأحقية «الشيخ بيار الضاهر» بالمؤسسة، ولينتقل سيمون أسمر إلى محطة MTV، وهو «المحسوب» على المؤسّس الأول للقوات اللبنانية (معنوياً) الرئيس الراحل «بشير الجميل» الذي كان أول من استدعاه لتسلّم المهام المتعدّدة بالـ LBC منذ بدء تأسيسها..

ومنذ انتقاله إلى MTV، وسيمون أسمر الضيف الدائم في معظم برامج المنوّعات التي تعرض على الشاشة المذكورة، اما بصفته «عضو لجنة تحكيم»، وإما كمحاور على شاشات لبنانية وعربية، ولمرة واحدة، كعضو دائم وأساسي في «لجنة تحكيم» في برنامج شبيه من حيث المضمون من برنامجه «استديو الفن»، برنامج «صوتك شَغلِة» عرضته شاشة «الجديد» وتولّى مسؤوليته الفنان أمير يزبك الذي أراد تكريم المخرج المبدع، وردّ بعض الاعتبار له..

وعلى مدى كل هذه المرحلة من عمره، كان كذلك المخرج سيمون أسمر، ضيفاً على المستشفيات - من دون أي ضجيج إعلامي - على فترات متقطِّعة، وإلى ان كان دخوله الأخير الذي فارق من بعده الحياة، وليخسر بذلك لبنان، هامة كبيرة، معطاءة، وقيمة إنسانية ثمينة، ومخرجاً فناناً متجذّراً في الإبداع بإجماع كل من عايشه وعرفه، وسيذكر تاريخ فن الغناء ومسيرة برامج المنوّعات التلفزيونية في لبنان، ان مرحلة ما قبل زمن المخرج سيمون أسمر هي غيرها ما بعدها، وان هذا المبدع الراحل، قاد عملية استمرار الغناء في لبنان، منذ العام 1972 وإلى يوم توقف برامجه... ثم رحيله...

أذكر، أنه في ذات يوم من العام 2016، دعاني مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين اللبنانيين للإجتماع، وتم اللقاء في مكتب المحامي «زياد سعود بيطار» بمنطقة «إنطلياس»، وفي هذا الإجتماع، كشف عن أسباب الدعوة: التجهيز لمشروع فني كبير سيقام على أرض كبيرة مهداة من أحدى الرهبانيات اللبنانية في جبل لبنان. وبعد التداول، تمّ الإتفاق بين كل الحاضرين على تسمية المشروع بـ «أوبرا لبنان» وقد تمَّت التواقيع على مختلف الأوراق الرسمية الواجب تقديمها للجهات الرسمية محلياً ودولياً، وتسلّم المحامي «زياد سعود بيطار» مهام إنجاز الإعلان الرسمي للمشروع..

الراحل سيمون أسمر، كان يحلم بإنشاء هذه الدار الفنية الكبيرة، وان يُلحق بها معهداً للفنون، وقاعة محاضرات، على أن يخصّص الإيراد بكامله للفنانين (شعراء ومطربين وممثلين وملحنين) ولكل المثقفين اللبنانيين المحتاجين... وقد أضاء في تفاصيل المشروع على هذا الأمر، كما في وصيته التي تركها..

فهل تدعم أو تتبنّى وزارتا الثقافة والتربية مشروع الراحل الكبير، وتحقّق له حلمه وحلم الكثيرين من أهل الفن والثقافة في لبنان؟!

وبذلك يقلّدونه الوسام الذي يستحق وهو الأمر الذي تخلفت الدولة عن فعله؟!