بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيلول 2018 12:24ص «ملتقى الشباب- مشكال» أنهى دورته السابعة على خشبة «المدينة»

«مملكة الجرادين» لـ «عوض عوض» إختصرت مأساتنا مع النفايات..

حجم الخط
                     
بين 7 و11 أيلول/سبتمبر الجاري شهد مسرح المدينة دورة جديدة من «ملتقى الشباب- مشكال» تضمن عروضاً متنوعة وجاذبة قدّمها شباب يحملون بذرة التغيير وآمالاً عراضاً بمستقبل البلد عكس الروح التشاؤمية المهيمنة على المزاج اللبناني العام منذ فترة غير قليلة. وهو ما أثبت أن جيل اليوم بحاجة لمثل هذه الفرص السانحة كي يُعبر عما عنده من طاقات، وهو ما حصل في ليلة الإفتتاح حين إستعرض شريط خاص عدداً من المواهب في حقول الفن العديدة، وكان لسيدة المسرح اللبناني الفنانة «نضال الأشقر» تعقيب مهم جاء في وقته حين خاطبت الحضور وكل من تكلّم بالإنكليزية في الشريط «إحكوا عربي»، «نحنا عرب»، و«لشو هالبُعد المش طبيعي عن لغتنا وهويتنا» وحظيت بتصفيق حار من الحضور.
العرض المسرحي الإفتتاحي تولاّه للعام الخامس على التوالي المخرج والكاتب «عوض عوض»مع مسرحية «مملكة الجرادين»، وإهتم فيه بموضوع النفايات الذي يشغل بال المجتمع اللبناني منذ فترة، من ضمن الشعار الذي ترفعه الدورة السابعة «بدّا نفضة»، وهو إستند إلى فكرة موفقة مستغرباً كيف أننا كبشر نتعايش مع النفايات القاتلة والجالبة للأمراض الخطيرة، طارحاً حلاً عملياً يقضي بأن نتحوّل إلى جرذان لأن أحداً غير هذا الحيوان القارض لا يستطيع تحمل فكرة العيش بين النفايات غيره، وتم توزيع إستمارة جردونية على الحضور في المسرح تتضمن خانة لـ (الإسم السباعي، العمر، الوضع الإجتماعي، الوضع الإقتصادي، والرصيد البيكوني، طول الذنب، ولون الفرو، وأخيراً توقيع الجردون)، ولأن الأمر ليس مزحة عابرة فقد جاء في الإستمارة:
«أنا الموقع أدناه..... أتخلّى وبكامل قواي العقلية عن بشريتي لأصبح جردوناً يعيش بين مخلّفات البشر لملاءمة الظروف الطبيعية والنفسية الحالية في بلادنا لفصيلة الجرادين. لقد سئمت العيش بين القمامة والنفايات. لقد مللت من ضيق العيش والفقر والفوضى. إن حياتنا كبشر لم تعد ملائمة، والجرادين أكثر قدرة على التكيف مع هذه الظروف. لذلك فإنني أتنازل عن كل ما ينسبني إلى هذه البلاد بسياساتها، وإقتصادها، ونفاياتها، وقرفها، وبؤسها، وتلوثها وحكامها وحكوماتها ومنطقها ومناطقها ومجتمعها وسكانها وهوائها ومائها». ومع كل ما في هذا النص من إعتزال الوطن والهوية والذات، إلاّ أن الوجع الضارب عميقاً حتى العظام في أجسادنا يبرّر هذا التنفيس عن مكامن النفس وإحتقان القلب بما يُرهق ويُدمي ولا يترك مجالاً لأي مصالحة مع الوضع القائم من دون أن يتزحزح أو يخجل من عموم المتضررين والمصابين.
«مملكة الجرادين» إستطاعت تجميع أكبر كمية من أكياس النفايات التي تستطيع الخشبة أن تستوعبها، ليكون المشهد متكاملاً بين الكلام والواقع فيما أجاد الحوار تدوير القضية وجعلها مادة رأي عام أكثر منها مجرد قضية ثانوية، تعني ربة البيت وحدها. وأجاد الممثلون التسعة تجسيد أدوارهم بأكبر قدر من العفوية والتجانس مع كيمياء خاصة سرت بينهم على الخشبة وبين جموع الناس في الصالة الذين تجاوبوا بفطرة محببة مع كل ما جرى من أحداث وما نطق به الممثلون من مونولوغات تصيب صميم الواقع المعاش بدقة إستنفرت الجميع فضحكوا وصفقوا وكرروا كلمة: «برافو».
الشخصيات أداها ممثلون بارعون من دون السؤال عن خبرتهم وطاقتهم في تقمص الشخصيات وهي: المارشال (ماهر عيتاني) جردونيت (آن ماري بستاني) ستروغونوف (مازن المعوش) مروى (باسكال جلوف) الدكتور (أبو هاشم الموسوي) عجوة (طارق مجدوب) نفيسة (ليلى منكبي) ورد (ورد ورجي) و دي كابريو (بلال العطار)، ومما أعطى العمل خصوصية في القبول أنها داعبت المواجع بالفانتازيا فأثمرت تنفيساً وتعبيراً قاسياً عن لوعة التعاطي مع خطر يُحدق بكل منا في أي وقت.