بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 أيلول 2018 12:05ص «مهرجانات صيدا الدولية» إختُتمت بتكريم «فايزة أحمد»

المصرية «رضوى سعيد» تقمّصتها ببراعة في 10 أغنيات ..

حجم الخط
ليل الأحد في الثالث من أيلول/سبتمبر الجاري، إختلف عن كل الليالي التي سبقته. أمضينا ساعتين بالتمام مع صوت إختارته وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة «إيناس عبد الدايم» لإحياء ذكرى وفن كروان الشرق الراحلة «فايزة أحمد» إبنة صيدا من عائلة الرواس، الذين تواجد عدد منهم في الحفل الذي حضره ألفا شخص. خيار الوزيرة لمطربة الأوبرا «رضوى سعيد» كان مدهشاً بكل ما للكلمة من معنى، لقد كانت نسخة عن صوت وإحساس «فايزة» لكن بوجه آخر.
الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق - عربية بقيادة المايسترو «أندريه الحاج، واكبت «رضوى» مع 28 عازفاً و4 فتيات كورال، إستطاعوا أن يُشكلوا قوة لافتة دعماً للصوت العظيم الذي تعرفنا عليه لأول مرة، وكان قيمة مضافة لنا لأننا لبينا دعوة المايسترو الحاج وواكبنا التدريبات التي قامت بها المغنية في فرع «زقاق البلاط» للكونسرفاتوار، وأصابتنا حالة من الإحساس الفائض فواكبناها بالدمع غالب الوقت، نظراً لما إستطاعته من أداء مذهل للألحان العشرة وهي أربعة لـ «محمد الموجي» (أنا قلبي إليك ميال، يا تمر حنة، بيت العز، ويمّا القمر عالباب) وثلاثة لـ «محمد عبد الوهاب» (يا حبيبي يا خويا، هان الود، ست الحبايب) وواحد لكل من «فؤاد حلمي» (بتسأل ليه علي) «كمال الطويل» (أسمر يا أسمراني) و«محمد سلطان» (آخد حبيبي)، وكنا كلما خرجنا من متعة دخلنا في أخرى مع واحد من الألحان الخالدة التي تأكد وجودها في عمق الذاكرة الشعبية لكل العرب ومنهم اللبنانيون الذين أثبتوا في ليلة صيدا بأنهم أوفياء جداً لهذا الإرث الراقي من الأنغام كما لإبنة مدينتهم.
كان التفاعل مع الأغنيات في غاية التكامل، ليس لأنها مشهورة وذائعة، بل لأن أداء المغنية «رضوى» كان رائعاً إلى درجة أن السميعة شككوا في أن الصوت القادر هو لـ «فايزة» نفسها وهناك لعبة تقنية غطّت ذلك، لكن التجويد الذي إستطاعته بحنجرتها الذهبية والطلعات والمدّات التي صاحبت المواويل، أكدت أننا أمام طاقة غنائية من مستوى الكبار الذين ميّزوا العصر الذهبي طوال سنوات وسنوات، ولم تقدر الأيام على محو الأثر من أذهان وآذان الناس حتى يومنا هذا. وأعطت «رضوى» درساً في الغناء لكل من يقدمون «كونسرت» لوحدهم على الخشبة، فلا ورقة أمامها، أو في يدها، ولا حاجة لأي تذكير بالإشارة أو بالكلام العادي مع المايسترو «الحاج» الذي مارس سيطرة كاملة على العازفين الـ 28 والكورال مع الأربع صبايا، كما على المغنية، بحيث كان الجميع طوع عصاه الصغيرة التي عرفت متى توقف الموسيقى، ومتى تخفضها، مع إشارة سحرية سلسة إلى «رضوى» أنْ غنّي، فقط الأمر أن تشدو وما يتبع ذلك تُبدعه المغنية من عندياتها وتبدو شديدة الثقة بالنفس، بالصوت وبالأذن المتذوقة.
الليلة الصيداوية كانت طربية بإمتياز، وأثبتت أن الجيل الشاب كما المخضرمون يُقدّرون المادة الفنية الراقية الثرية بمدلولاتها التي تصل إلى كل الناس بما ينفي التهمة التي ألصقتها أقلام غير مسؤولة بجيل الشباب بأنهم عبثيون فوضويون يحبون الصخب ولا يميزون بين الغث والسمين في مجال الأنغام، وهو أمر اضر بصورة جيل اليوم عند الفنانين والنقاد، فإنعدم تقريباً التواصل بين الطرفين وسهلت عملية إسقاط العديد من التجارب لهذا السبب.
على مصر أن تأخذ موهبة «رضوى» المذهلة على محمل الجد، فتوظف لها كل ما تحتاجه من دعم وتسهيل مهمة بحيث لا تشعر أنها وحدها في الساحة، فيما هي كذلك كقيمة غنائية، وعلى الفنانين في مصر أن يتفرغوا لصوتها وخدمته حتى نعوّض غياب الكبار.