بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تموز 2018 12:52ص «مي فاروق» أجادت في إحياء 50 عاماً على غناء «أم كلثوم» في بعلبك

حجم الخط
حسناً فعلت إدارة مهرجانات بعلبك الدولية وهي تُكرم «الست» بمناسبة مرور 50 عاماً على غنائها في بعلبك، عندما إختارت الصوت الرائع والمفاجأة الكبيرة لنا المطربة «مي فاروق»لغناء ثلاث من أغنيات «أم كلثوم» (أغداً ألقاك، أمل حياتي، وإنت عمري) ولم تكن موفقة بما فيه الكفاية عندما إستعانت بصوت المغنية «مروة ناجي» التي غنت في الفصل الأول مقاطع من أغنيات (ألف ليلة وليلة، فكّروني، سيرة الحب، حيرت قلبي معاك، ويا مسهّرني) فلم تضخ شيئاً من إحساسها في الأداء، كما أن لفظها لأحرف (الراء، السين، والشين) لم يكن صحيحاً، وزاد من الضغط السلبي منذ البداية ما سمّاه المايسترو «هشام جبر» توزيعاً سيمفونياً أفقد ألحان الكبار رونق عزف الجمل اللحنية بآلات معينة كالقانون، والكمان، والغيتار، فإستاء معظم الحضور من هذا التدخل القاتل في حيثيات ألحان إنغرست في الذالكرة عشرات السنين.
لم يكن مقبولاً تحت أي صورة من الصور التهاون في التعاطي مع 8 ألحان لكبار من تاريخ هذه الأمة (منهم: محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، وبليغ حمدي) تحت مبرر إعادة التوزيع بطريقة سيمفونية، ولا ندري لماذا هذا التطاول على قامات نغمية عربية أصيلة، لقد بدا المشهد وكأنه محاولة لإستعراض العضلات الفنية التي بدا أنها خاوية لا مفعول ولا قيمة لها في الميزان النغمي المتميز. لقد أمضينا الفصلين في حفل «بعلبك» تنتابنا هزّات من السمع المزعج والمهين لأصول الألحان، خصوصاً عند الضربات الموسيقية الفاعلة والمؤثرة والمعبرة عن فرح الحب، فإذا بالتوزيع السيمفوني المزعوم يُلغي نضارة المعنى فتبدو الصورة باهتة لا جاذب فيها على الإطلاق.
نعم أكبر إساءة إرتكبت في الحفل لتكريم السيدة الكبيرة «أم كلثوم» أن سيد الخشبة المايسترو «جبر» هو من كتب التوزيع السيمفوني، أو بالأحرى من إرتكب هذا الفعل السيمفوني، وقد أسعدتنا الدكتورة «إيناس عبد الدايم» وزيرة الثقافة المصرية التي تقدّمت ضيوف المهرجان، حين وافقتنا هذا الرأي، وأبلغتنا أنها لن تسمح به في القاهرة أبداً. بما يعني أن الخطأ الذي إرتكبه «جبر» كان واضحاً للجميع من دون إستثناء. وهذا المناخ عبّر عنه وريث إدارة الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق عربية، من مؤسسها الراحل الدكتور «وليد غلمية»، المايسترو الأكثر حضوراً وشغفاً في مهمته «أندريه الحاج»، وعدد من العازفين الذين شاركوا في العزف (54 عازفاً) معتبرين أنهم عزفوا ما لم يقتنعوا به.
هذه الأجواء التي كانت مزعجة في الفصل الأول الذي أحيته «مروة ناجي» بأداء غير جاذب ، عدّلته في الفصل الثاني المطربة «مي فاروق»، صوت واثق ، قادر قوي، مع إحساس عميق جداً بالكلمة والنغمة، وطاقة طبيعية على توصيل الأغنية إلى أبعد مكان، وكان مهماً الإنتباه إلى أنها لا تبذل الكثير من الجهد لرفع وتيرة الصوت أو الضغط لمضاعفته في منحنيات محددة. والجمهور له حصة كبيرة في هذا الحفل فهو حين إنتبه إلى التوزيع الجديد السيء، راح يرفع صوت غنائه للتغطية على عزف الآلات الكلاسيكية مما غيّر من مزاج الإستماع بمعنى أن الحضور إستحضروا التوزيع الأصلي وتناسوا الضربات المسيئة في العزف، فكان الرد حاسماً ومفحماً للنهج الخاطئ في التعاطي مع إرث الكبار.
«مي فاروق» أنقذت الحفل، والأوركسترا اللبنانية كانت ملتزمة بالأصول العزفية، فيما يتحمل المايسترو «جبر» كامل المسؤولية عن الإساءة الفنية إلى أصول الألحان التي خلّدت أغنيات «الست»، وجعلت ملايين العرب يتعلّقون بهذا الرمز الخالد للغناء العربي في الأسماع كما في القلوب.