سؤال، لطالما طَرَحَته الأوساط النقدية الفنية، ويتعلّق بمدى قدرة الملحن في أن يطغى (عبر ألحانه) على الصوت الغنائي، لمطرب أو لمطربة؟
وأتذكر جيداً، ان هذا السؤال، كان موضوع نقاش تسيّد شروحاته وتفنيداته، الناقد الغنائي الكبير الراحل كمال النجمي، في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، في جلسة ضمّت الشاعر الغنائي القدير عبد الوهاب محمّد، الكاتب الصحفي رجاء النقاش (رحمهما الله) والثاني كان يرأس تحرير مجلة «الكواكب» القاهرية حينذاك، وكاتب هذه السطور..
وأتذكر أيضاً ان كمال النجمي افتتح الكلام متطرقاً بداية، إلى «الحدث» الذي جرى في أواسط ستينيات القرن الماضي، على أثر اللقاء الفني الذي جمع كوكب الشرق أم كلثوم بموسيقار الأجيال محمّد عبدالوهاب في أغنية «أنت عمري»، وكيف ان سيّدة الغناء العربي «إنزعجت» من كلام «يومذاك»، مفاده «ان شخصية محمّد عبدالوهاب التلحينية طغت على شخصيتها الغنائية!!».
ويتابع كمال النجمي أن أم كلثوم أعلنت في أكثر من مناسبة، رفضها المطلق لهذا الرأي على اعتبار انها تمتلك «مقوّمات» من الصعب، بل من المستحيل لأي كان، حتى لو كان محمّد عبدالوهاب أن يطغى أو يسيطر على شخصيتها الفنية..
ويفنّد الناقد الفني الكبير «منطلقات» كوكب الشرق في رفضها، فيقول: صحيح ان محمّد عبدالوهاب نجح من خلال مجموعة ألحانه لكوكب الشرق، أن «يُلبِس» أم كلثوم ثوباً فنياً جديداً وعصرياً، ابتداء من لحنه «إنت عمري» ومروراً بألحانه «أنت الحب» و«أمل حياتي» وسواهم، لكن أم كلثوم استمرت أبداً «الذواقة» التي تتعامل مع الكلمة والنغم بفهم ووعي وذكاء، إضافة إلى ان دورها لم يقتصر في أي من هذه الأغنيات، أو سواها، على مجرّد «التلقّي»، بل كان يُظهر جمال الكلمة واللحن والمعنى، وفي أحيان أخرى كثيرة، كان يُبدِع فكرة الأغنية نفسها، وان أم كلثوم، فوق ذلك كلّه، كانت «شريكاً فعلياً» في معظم ما غنت، ولطالما أبدت رأياً في «نغمة» أو «جملة موسيقية»، لكي تأتي الأغنية على صورة تشبهها، كـ«خبيرة» في العواطف، و«ف يلسوفة» في الحب، وان كل الوسط الغنائي يتذكر كيف أنها اعترضت - بأدب - على كلمة «شوّقوني» التي كا نت أولى كلمات مطلع أغنية «أنت عمري»، واستبدلتها، برضى المؤلف الشاعر أحمد شفيق كامل، بكلمة «رجّعوني»..
وعند هذا الكلام، إنتهى النقاش بموافقة الجميع على رأي الناقد الكبير كمال النجمي، فيما المحصّلة التي أجمع عليه الحاضرون، في موضوع «طغيان» طرف من أطراف الأغنية، علي آخر، فكانت ان «شخصية» الفنان، مطرباً(ة) أو ملحناً أو شاعراً، هي الفيصل والحَكَم في الموضوع، وهي التي «تمنع» أو «تمنح» الطغيان أو السيطرة، وانه، في الحالة الثانية (المنع) تنتفي الحالة، فيما في الأولى، تؤكد على ضعف مستوى الإبداع عند المغني، ويصبح عندئذٍ مجرّد صاحب صوت جميل، وإنما من دون «شخصية فنية»، وحيث سيقتصر دوره على ترديد ما حَفِظَ عن الملحن والشاعر، لكنه سرعان ما سيغيب عن الساحة التي لا تعايش سوى المبدعين..