في مثل هذه الأيام من العام 1998، وتحديداً بتاريخ التاسع من شهر تموز، أي منذ عشرين عاما بالتمام والكمال، رحلت عن دنيانا مطربة- ممثلة كبيرة كان لها حضورها المميز في عالم الغناء والتمثيل، اسمها الفني نور الهدى، والعائلي الكسندرا بدران، المولوة في «مرسين- تركيا.. (وإسم بدران ليس كنيتها الحقيقية، لأن والدها من آل شماس من بلدة «اميون» بالشمال اللبناني).. هاجر طالباً الرزق والعمل، فدامت اقامته في «مرسين» التركية عدّة سنوات، حصلت خلالها الابنة الكسندرا على الجنسية التركية..
اما «بدران»، فهو اللقب الذي عرفت به الأسرة بدلا من «شماس» في لبنان..
عشرون عاماً على رحيل صاحبة الصوت الذي فتن فنان الشعب يوسف وهبي، فاصطحبها إلى القاهرة في العام 1942، واسند إليها أوّل بطولة سينمائية تتولاها في مسيرتها الفنية- السينمائية (جوهرة) في مقابل مبلغ 15 ألف جنيه مصري، وهو في ذاك الزمان، اعتبر أغلى أجر يدفع لمطربة- ممثلة في مصر..
عشرون عاماً فقط لا غير، مضت على انتقال المطربة اللبنانية الوحيدة التي شاركت محمّد عبد الوهاب بطولة أحد افلامه (الست ملاكاً)، إلى دنيا الحق..
عشرون عاماً فقط لا غير انقضت على وفاة المطربة التي اعجب بصوتها وحضورها وخفة دمها، الموسيقار فريد الأطرش، فاسند إليها في عام واحد (1952) بطولة فيلمين من انتاجه وبطولته: «عايزة اتجوز» و«تقولش لحدّ».
عشرون عاماً فقط لا غير، على انتقال نور الهدى من دنيا الفناء إلى دنيا البقاء، تاركة لنا مجموعة كبيرة من الافلام السينمائية الغنائية (23 فيلماً) وأكثر من مائتي اغنية لكبار الملحنين اللبنانيين والمصريين، حققت كلها النجاح الكبير..
«الكسندرا» عادت من تركيا إلى بيروت صغيرة، وامضت طفولتها في حيّ «المزرعة» في العاصمة بيروت، وحيث مالت منذ صغرها إلى الغناء، فانتشرت اخبار جمال صوتها بين الجيران وأبناء الحي، الا ان والدها، وكان يعمل في مجال البناء (كان يُطلق عليه يومذاك «معمرجي»)، وعلى عكس والدتها، عارض ارتباطها بالغناء خصوصاً، والفن عموماً بشدة: «هالشغلة منها إلنا».. هكذا كان يردد دائماً!؟
في لقاء صحفي بالمطربة الكبيرة قبل رحيلها بأشهر قليلة، وكانت قد اعتزلت، وتقيم في أحد أحياء «الاشرفية»، حدثتني عن تلك المرحلة، فذكرت ان زوج عمتها هو الذي اقنع والدتها في البداية بأن تسمح لها بالتدرّب على أصول الغناء على يدي أحد الموسيقيين، خارج أوقات الدراسة، ومن دون علم الوالد، وقد قبلت الأم بعد طول تردّد، لكنها، ظلت تخشى ردّة فعل الزوج ان علم بالموضوع... إلا ان غياب رب الأسرة لفترات عن المنزل، بحكم عمله في المقاولات والبناء، ساهم في تسهيل تنفيذ الخطة، بل تطوّر الأمر إلى استحضار ملحن- أستاذ (خالد أبو النصر) ليتولى تدريب الصبية على الغناء، وبتقديمها للاذاعة في ما بعد!!
وتضيف الكسندرا بأنها لم تكن ميّالة، منذ بدايتها، إلى الغناء الريفي (أبو الزلف والميجانا والعتابا والاغاني الشعبية)، بل هي رغبت بغناء الموشّح، والموال والقصيدة..
مرّت الأيام، وعُلِم الأب، بما كانت تتعلمه ابنته، وسمع من استاذها- مدرِّبها انها أصبحت «مطربة» بكل ما للكلمة من معنى، فخضع للأمر الواقع، واقتنع بضرورة احترافها الغناد، فبدأت تجول- بصفتها الجديدة- على مواقع السهر والغناء في لبنان وسوريا، وذات مرّة كانت تغني في مدينة «حلب» السورية، بموجب عقد عمل، حضر الفنان يوسف وهبي إحدى حفلاتها، فأعجب بصوتها وسأل عن اهلها، وتم اللقاء عبر حفلة تكريمية كانت الكسندرا نجمتها، وخلال هذا الحفل، وثّق يوسف وهبي قناعته، ووجد فيها كامل مواصفات العمل السينمائي- الغنائي، فاقترح عليها عقداً، وافقت على بنوده، ووعدت باللحاق بالممثل الكبير إلى القاهرة فور انتهاء عقدها في حلب.. وهكذا كان، لتطل الكسندرا بدران (شماس) باسم جديد (نور الهدى)- تمّ اختياره لها بالقرعة- في أوّل بطولة سينمائية مصرية لها «جوهرة» في العام 1942، ولتكر من ثم سبحة الافلام الغنائية التي بلغ عددها 23 في القاهرة.
عشرون عاماً فقط مرّت على رحيل هذه النجمة السينمائية والمطربة اللبنانية الكبير، فهل ما زال اللبنانيون يتذكرونها أم غابت عن ذاكرتهم بمثل ما غابت للأسف اغانيها عن اذاعة لبنان؟ وبقية الإذاعات.