بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 تموز 2019 12:00ص {وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِكْرَى تنفعُ المُؤْمِنِينَ} رئيس وطني لا طائفي.. وزوجة خيِّرة

حجم الخط
في العام 1990، وبعد إنتخاب الراحل إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية، بعدّة أشهر، وصل إلى القاهرة في زيارة رسمية لمصر، فأقام على شرفه سفير لبنان يومذاك هشام دمشقية حفل استقبال كبير دعا إليه أعضاء الجالية اللبنانية في مصر، وكذلك مجموعة كبيرة من رجالات الحُكم، والسفارات والقنصليات، ومن بين من دعاهم، المطربة اللبنانية الكبيرة نجاح سلام، وكانت في إقامة دائمة بالعاصمة المصرية منذ العام 1975، على أثر الإعتداء الغاشم الذي تعرّض له منزلها في منطقة سن الفيل (حرش تابت) وحيث تمّت مصادرته بكل محتوياته الفنية والعائلية من قبل المليشيات المسيطرة على المنطقة يومذاك! وقد قام هؤلاء بإبلاغ «من يهمّه الأمر» بأن تواجد المطربة الكبيرة في المنطقة «غير مرغوب فيه بسبب مواقفها القومية المؤيّدة لسوريا ومصر والفلسطينيين»؟!

ولأنها كانت قد حصلت على الجنسية المصرية تكريماً لمواقفها الوطنية والعروبية، غادرت الى  القاهرة في إقامة شبه دائمة، والى أن تتبدّل أحوال لبنان؟!

وأيضاً، كان من بين المدعوين، زميلها مطرب لبنان وديع الصافي، وكان قد وصل إلى القاهرة بعد جولة عربية وغربية، ثم قرر البقاء في مصر التي ستكون منطلقاً له الى مختلف العواصم العربية والغربية، وإلى حين إنتهاء رواسب الحرب اللبنانية السيئة الذكر...

وبالعودة الى حفل السفارة اللبنانية، فإن الرئيس إلياس الهراوي أصرّ على مصافحة الضيوف والترحيب بهم شخصياً، حتى إذا ما وصل الى حيث تواجد الفنانان اللبنانيان نجاح سلام ووديع الصافي، احتضنهما على مرأى من الجميع، وطالبهما بصيغة الأمر، وبصوت مسموع، بالعودة فوراً إلى لبنان «لأن وطنهما يحتاج لوجودهما ولفنّهما»... وهذا ما حدث، وحيث عادت المطربة الكبيرة إلى لبنان في خلال اسبوع، ثم لحق بها المطرب الكبير بعد أيام معدودة.

لم تمضِ أيام قليلة، حتى كانت المطربة الكبيرة نجاح سلام تغرّد وتصدح بأجمل أغنياتها في أول مهرجان  فني يقام بعد إنتهاء الحرب اللبنانية المشؤومة، «مهرجان عنجر» الذي رعاه بالحضور الرئيس الهراوي، وبرفقته السيدة الأولى وكل رجالات الدولة، وهذا المهرجان كان حديث مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وحيث اعتبر هؤلاء المهرجان المذكور إيذاناً بعودة المهرجانات الكبيرة الى ربوع لبنان... وفي خلال أقل من شهرين على «مهرجان عنجر» ونجاحه الكبير، كان الرئيس الهراوي - رحمه الله - يقلّد المطربة الكبيرة نجاح سلام وساماً رفيعاً تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة والملتزمة، ولعطائها في خدمة الفن الغنائي اللبناني والعربي، وسام الأرز من رتبة كوموندور، وهي التي تقلّدت من قبل، الأوسمة الرفيعة من معظم رؤساء الدول العربية.

وفي جلسة إنعقدت بالقصر الجمهوري بحضور بعض أهل الصحافة والإعلام، ونقلاً عن هؤلاء، فإن الرئيس إلياس الهراوي روى انه، ومنذ أن قلّد نجاح سلام الوسام الرفيع، وهو يتعرّض لـ «ضغوطات» سياسية ودينية تطالبه بتكريم مطربة شابة لم تتجاوز الـ 35 عاماً من العمر، ولم تتعدَّ أغنياتها بعد الـ (30) أغنية؟!

وتساءل فخامة الرئيس الراحل أمام ضيوفه بإستغراب: على شو بدّي كرّمها وهي في بداية مشوارها الفني؟؟

وبذلك، وضع الرئيس حدّاً لكل المداخلات والضغوطات التي كانت تصله من مراجع سياسية ودينية لتكريم فنانة الـ 35 عاماً؟!

لماذا نذكر هذه الحادثة اليوم؟..

بصراحة... لنذكّر بداية بالمواقف الوطنية واللاطائفية لأول رئيس للجمهورية في عهد «دستور الطائف»، ولنذكّر كذلك، بأن إبن هذا الرئيس، سقط في أول انتخابات نيابية جرت في عهد والده، ولم يكرِّر بعد ذلك الترشّح لأي انتخابات، ولم يتقلّد أي منصب أو صفة رسمية على مدى رئاسة والده...

أما زوجة الرئيس الهراوي، السيدة «منى»، فوجّهت كل اهتماماتها في زمن رئاسة زوجها، لعلاج الأطفال المصابين بـ «التليسيميا» (سرطان الدم) ولتأمين التبرّعات والمداخيل لهذه المهمّة الإنسانية النبيلة، ولا زالت بعد رحيله، وحتى اللحظة تتحمّل هذه المسؤولية... أمدَّ الله بعمرها..

{وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِكْرَى تنفعُ المُؤْمِنينَ} صدق الله العظيم (سورة الذاريات).