كتب احمد الغز في "اللواء"
الإعلام
الجديد حوّل الحدث إلى منتج بصري مختصر، وأصبحنا نرى الجثث والدخان والتصريحات،
لكننا لا نرى خريطة المصالح ولا شبكة التحالفات ولا الالام العميقة في ذاكرة
الشعوب، وهكذا تحول الخبر إلى مشهد عابر سريع النسيان، ولا يتم التعامل معه
بالعمق الذي يستحقه، والأحداث الكبرى لا تولد فجأة، فكل انفجار سياسي أو اجتماعي
هو في جوهره نتيجة تراكم طويل من الإخفاقات والمظالم والأحلام المعلّقة على مدى
عقود طوال.
الإعلام الحديث أنتج كثافة في الاخبار، وبات الخبر لحظة عابرة لا تثير الانتباه،
واصبحت الحقيقة تختبئ في الظلال، في حين تخبرنا الشاشات عمّا حدث من دون ان تفتح
لنا نافذة على السؤال لماذا حدث؟ وكيف حدث؟ وما الذي يعنيه هذا الحدث في السياق
الاوسع، وهنا تبدأ الفجوة بين الخبر العابر والحدث كتحول سياسي او مجتمعي او
تاريخي، فما يُقال في دقيقة، قد يحتاج فهمه وادراكه إلى سنوات، والخبر هو المعلومة
السريعة، اغتيال، اتفاق، انفجار، لقاء، حيث تتغلب الصورة على الكلمات،
و"الحدث" في حقيقته كتلة معقدة من المعاني، والسياقات، والرموز،
والتفاعلات، والتحولات.
الحدث أكبر من الخبر، لأنه يكشف من نحن، وأين نقف، وماذا نريد أن نكون في خضم
العواصف التي تضرب منطقتنا، ونتابعها عبر أخبار مصورة وعاجلة كل يوم، من دون ان
ندرك ان ما يجري ليس مجرد تبادل إطلاق النار او رسائل سياسية، بل إعادة رسم خريطة
المنطقة، وما نعيشه اليوم هو تحول بنيوي في موازين القوة والردع والهوية.
الفرق بين الخبر والحدث ليس تباين في التعابير، بل هو الفرق بين استهلاك
المعلومة، وصناعة الواقع، وان كل خبر عاجل في منطقتنا اليوم، يخفي في طياته صراعات
على معنى وجودنا، وسيادتنا ومستقبل اجيالنا، إنها لحظة تأسيسية لعقود قادمة، مما
يحتم علينا عدم الاستغراق في متابعة الاخبار وتناقلها دون التعمق في الحدث، لان
الحدث.. أكبر من الخبر.