يقف الجامع العمري الكبير شامخاً في قلب وسط بيروت بمئذنتيه القديمة والحديثة تصدحان بالأذان خمس مرات في اليوم. وهناك روايتان لتأسيسه، تقول الأولى بأنه أسّس على أنقاض معبد وثني لدى فتح المسلمين لبيروت سنة 14 هـ الموافق 635 م في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وسمّي باسمه تكريماً له. وتقول الرواية الثانية، وهي الأقرب إلى الحقيقة ومدعومة بما ورد في أكثر كتب التاريخ، أنه كان في الأساس كنيسة أقامها الصليبيون على أنقاض معبد روماني عندما احتلوا بيروت سنة 1112 م وأطلقوا عليها اسم كاتدرائية يوحنا المعمدان. وعندما استعاد السلطان صلاح الدين الأيوبي بيروت من الصليبيين سنة 1187 حوّل الكاتدرائية إلى جامع، وما لبث أن عاد إلى كنيسة عندما استعاد الصليبيون المدينة سنة 1197 م. وعندما اندحر الصليبيون نهائياً عن المدينة سنة 1291 م على أيدي المماليك بقيادة سنجر الشجاعي وبأمر من السلطان الملك الأشرف خليل عاد المسجد ثانية، وسيبقى بإذن الله إلى يوم الدين.
توالت على المسجد أسماء كثيرة اشتهر بها عند الناس في أزمنة مختلفة، فقدعرف باسم جامع فتوح الإسلام وجامع التوبة وجامع النبي يحيى والجامع العمري الكبير تخليداً لذكرى الخليفة الراشد عمر، وتعتبر أنّ صفة الكبير كانت لتمييزه عن الجامع العمري الشريف (الصغير) الذي أقامه المسلمون عند فتحهم المدينة في مكان آخر قريب من البحر، وعرف فيما بعد باسم جامع البحر أو جامع الدباغة.
قبب ونقوش أثرية تحكي تاريخ الجامع المسجد العمري من الداخل
يتميز الجامع العمري الكبير بوجود نقائش بيزنطية وعربية على جدرانه وأبوابه تؤرخ لوقائع بيروتية عدة، وباحتوائه على منبر حديث مصنوع من الرخام وعلى جانبيه علمان (سنجقان) مطرزان بالآيات القرآنية ويقال إنّ العلم السنجق يرمز إلى سنجق الخليفة الفاروق الذي فُتحت بيروت في عهده، وبمحراب عبارة عن حنية مجوفة من الرخام الأبيض.
وتوجد في المسجد غرفة معروفة باسم حجرة الأثر الشريف كان فيها ثلاث شعرات منسوبة إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم مهداة، على مراحل، إلى أهل بيروت من السلطان عبد المجيد الأول والسلطان محمد رشاد العثمانببن. وقد سرقت خلال الحرب الأهلية. كما يوجد فيه مقام النبي يحيى عليه السلام وهو عبارة عن قفص حديدي يُقال أنّ كف النبي يحيى مدفونة فيه، والقفص هو هدية من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
المسجد العمري من الداخل
لقد تعرّض الجامع خلال الحرب الأهلية للسرقة وأصيب بأضرار كبيرة إذ تهدّم جزء منه وخُرّب جزء أخر. وتمّ ترميمه بعد انتهاء الحرب على نفقة المحسنة الكويتية السيدة سعاد حمد الحميضي لذكرى والديها.
كان الجامع العمري الكبير المسجد الرئيس لبيروت، قبل بناء جامع محمد الأمين صلى الله عليه وسلّم على نفقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حيث كانت تقام فيه الاحتفالات الدينية ذات الطابع الرسمي والشعبي، كالاحتفال بعيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك وذكرى المولد النبوي الشريف وليلة القدر. وكان يتقدّم هذه الاحتفالات الوالي في العهد العثماني، ورئيس مجلس الوزراء في عهد الاستقلال ويشارك فيها المفتي والوزراء والنواب والمشايخ والوجهاء والقادة العسكريون والأمنيون وعامة الشعب.
تمّ تصنيف الجامع العمري الكبير ضمن الأبنية الأثرية بموجب مرسوم جمهوري صدر سنة 1936، بسبب قِدَم بنائه وتصميمه ووجود الكثير من النقوش والنصوص التاريخية داخله، بالإضافة إلى الأعمدة الهندسية الكبيرة والضخمة.