الجدال السياسي حول الإستحقاق في قيادة الجيش، تحوّل إلى نوع من العبث بمقدرات المؤسسة العسكرية، وتعريض عماد الوطن الأمني والعسكري إلى محور للتجاذب الحزبي والسياسي، على حساب الأمن الوطني، وما تبقّى من مقومات الإستقرار في البلد.
هذا الإنقسام السياسي حول مسألة التمديد لقائد الجيش، لا مبرر له في ظل الظروف الصعبة المحيطة بلبنان، إنطلاقاً من تداعيات الحرب غير الإنسانية في غزة، وصولاً إلى التوترات المتصاعدة في الجنوب اللبناني، والتي جعلت البلد قاب قوسين أو أدنى من نيران المعارك المشتعلة في قطاع غزة، وما تحمله من مخاطر توسع الحرب في المنطقة.
رغم بقاء المناوشات اليومية على الحدود الجنوبية تحت السيطرة، فإن لبنان يُعتبر في حالة حرب مع العدو الصهيوني، الذي يهدد جنرالاته بإعادتنا إلى القرون الوسطى، بمناسبة وبدون مناسبة، ليمارسوا أقصى الضغوط النفسية على اللبنانيين، وليزيدوا الأوضاع إرباكاً في بلد يعاني من الأزمات المتلاحقة، والتي زادت حدتها بالشغور المستمر في منصب رئاسة الجمهورية، وإنعكاساته السلبية على قدرة السلطة الشرعية، وفعالية مؤسسات الدولة.
مسألة بقاء قائد الجيش في منصبه في هذه الظروف الإستثنائية، تتجاوز الحسابات السياسية، والحساسيات الشخصية، ومعارك الكر والفر، خاصة بين الأحزاب المارونية، لأن الضرورات الوطنية تفرض عدم تعريض المؤسسة العسكرية لإختبار تغيير القيادة في ظروف الحرب، نظراً للمحاذير العديدة التي تؤخذ بعين الإعتبار في مختلف جيوش العالم، في مثل هذه الأحوال.
إستمرار العماد جوزاف عون في هذه الظروف الصعبة لا يعتبر إنتصاراً للفريق المؤيد لبقائه في القيادة لفترة محددة، ولا إنكساراً للفريق المعارض لهذه الخطوة، بل هو إنتصار للوطن أولاً وأخيراً، الذي يقف على شفير الحرب المدمرة في غزة.
ويُضاف إلى كل تلك الإعتبارات، أن عدم تعيين قائد جديد للجيش في ظل الشغور في رئاسة الجمهورية، يُراعي دعوات المطالبين بإحترام صلاحيات رئيس الجمهورية في فترة الشغور الرئاسي، وفي مقدمتهم التيار الوطني الحر، الذي كان أول من قاطع «تشريع الضرورة»، وسحب وزراءه من جلسات الحكومة طوال فترة الشغور في بعبدا.
الجيش كان، ويجب أن يبقى فوق مستوى الخلافات السياسية، فلا تشوّهوا مكانة هذه المؤسسة الوطنية الكبرى، وتُدخلوها في وحول السياسة الوسخة.