لا أعتقد أن أحدا من العقلاء يحتاج إلى تذكير عن فضل العلم وأهميته في الإسلام..
ولا أعتقد أيضا أن أحدا منهم يجهل خطورة تغييب هذا العلم عن فكر المواطن وسلوكه، خاصة أننا في بلادنا نعاني من سنوات وسنوات بسبب هذا التجهيل الممنهج الذي يمارس على المواطنين في مختلف المجالات والاتجاهات..
ولكن اسمحوا لي اليوم أن أرفع الصوت عاليا لعلّه يصل إلى أذان المسؤولين (غير المسؤولين) الذي اقتصرت أعمالهم ومهامهم فقط على مراقبة المدارس وهي تبلّغ أولياء الأمور برفع الأقساط المدرسية العام المقبل بما يقارب 45% من قيمة القسط السنوي..؟!
مراقبة سلبية يعجز الإنسان عن فهم أبعادها ومغزاها..
ففي بلادنا التي تعاني من كارثية الجهل والجهل المركّب، وبدلا من تسهيل وتعبيد الطريق أمام العلم والتعليم لكل مواطن لبناني حرصا على بناء مستقبل مشرق، نرى المسؤولين بمختلف المواقع يؤثرون الصمت ولا يحرّكون ساكنا لمعالجة هذا الملف..؟!
هل تعلمون أيها السادة ماذا يعني أن يصبح القسط السنوي للطالب الواحد في مدرسة من المدارس المخصصة لذوي الدخل المتوسط أكثر من ثلاثة آلاف دولار عدا رسوم التسجيل والقرطاسية والملابس وخلافه..؟!
هل تعلمون ماذا يعني أن يكون الأب لثلاثة أبناء مضطرا لدفع مبلغ يقارب عشرة آلاف دولار سنويا فقط لتعليم الأبناء..؟!
أي أنه مطالب بتأمين مبلغ شهري يساوي تقريبا ألف دولار فقط للمدارس.. حسنا وماذا عن الطعام والشراب والملبس والدواء..؟!، وماذا عن فواتير الكهرباء والمياه التي تدفع مرتين...؟!
وماذا عن الأعمال التي تعطّلت والوظائف التي أُلغيت والمداخيل التي انقلبت ثم المرتبات التي لا تتجاوز 400 دولار في معظم المؤسسات والشركات..؟!
يقولون أذهبوا بهم إلى المدارس الرسمية... وكلنا نعلم حالها وحال المعلمين فيها الذين يعانون أشدّ معاناة..؟!
إن رفع الأقساط المدرسية في لبنان دون أي التفات إلى الحالة المأساوية التي يعيشها المواطن اللبناني اقتصاديا واجتماعيا بمختلف المناطق هي جريمة قتل لمستقبل الأبناء مع سبق الإصرار والترصّد..
جريمة قتل لأنها تدفع بكثير من الأهل إلى سحب الأبناء من المدارس ودفعهم إلى أسواق الجهل الرائجة في بلادنا، وهي أسواق للأسف مليئة بكل فساد وباطل.. والواقع خير دليل..؟!
وهي جريمة قتل لأننا نرمي بأيدينا بذور الجهل والتعصب والطائفية والمذهبية التي سيستثمرها كل مغرض في بلادنا (وما أكثرهم) ليحصدوا زرعه مصلحة لجيوبهم وأهدافهم الشيطانية..!؟
بالله عليكم... هل نحتاج في بلادنا التي تعاني مما تعاني إلى مزيد من الجهل ..؟!
نعم أيها السادة..
في مجتمعنا المليء بالطمع والجشع والخيانة والغش والتطرف والتعصب والمذهبية والمشاكل والتفلّت الأخلاقي والانقلاب الفكري كان القرار.. رفع الأقساط المدرسية..؟!
في بلادنا التي تعاني من البطالة ومن كثرة المشاكل الزوجية ومن ارتفاع نسب الطلاق ومن انتشار المخدرات بين صفوف الشباب ومن ظاهرة السلاح المتفلّت كان القرار... رفع الأقساط المدرسية..؟!
في بلادنا - وألف ألف آه من المسؤولين من بلادنا - حيث فسدت الذمم وتعطّلت المصالح وسَادَ قانون الغاب واستقرّت الرشوة وتعارف الناس على الفساد، كان القرار.. هو رفع الأقساط المدرسية ومنع الكثير والكثير من الطلاب من التعليم..؟!
إن السلاح الفاعل الوحيد الذي يستطيع المواطن أن يقدّمه لأبنائه في هذه الدنيا هو سلاح الإيمان... وهذا لا يتأتّى إلّا من خلال العلم الصحيح والواعي الذي يؤهّل الأبناء للتفاعل مع الحاضر ولقيادة الغد وفق منهج قوّيم.. فهل سنحرمهم من هذا الحق.. كما حرموا مع سبق الإصرار والتعمّد من حقوق كثيرة أهملناها حتى ضاعت...؟!
أيها السادة...
هنيئا لكم المستقبل الآتي... الأشدّ ظلامية.. والأسوأ كارثية... والأكثر أميّة وجهلا..
وطبعا الأقلّ لبنانيا.. وإنسانيا.. وحضاريا.. وعلميا..؟!