ناقشت أعمال ندوة الحج الكبرى في دورتها التاسعة والأربعين، التي تنظمها وزارة الحج والعمرة بالشراكة مع هيئة كبار العلماء ودارة الملك عبد العزيز، موضوع: «الاستطاعة في الحج والمستجدات المعاصرة»، بمشاركة نخبة من كبار العلماء والمفكرين من مختلف دول العالم الإسلامي.
وشهد حفل الافتتاح إلقاء عدد من الكلمات لكل من وزير الحج والعمرة السعودي الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، والأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، إلى جانب كلمة المفتي العام للمملكة التي ألقاها نيابة عنه الدكتور فهد بن سعد الماجد، الأمين العام لهيئة كبار العلماء.
وتضمنت الجلسة الرئيسية للندوة، بعنوان: «تيسير الشعيرة وتمكين القاصدين: رؤية المملكة في خدمة الحجاج»، مناقشة الجهود الحكومية المتكاملة في خدمة ضيوف الرحمن، بمشاركة وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، ووزير الصحة فهد بن عبد الرحمن الجلاجل، ومدير الأمن العام الفريق محمد البسامي، والرئيس التنفيذي اللهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدّسة المهندس صالح الرشيد، وبإدارة المدير التنفيذي لبرنامج خدمة ضيوف الرحمن المهندس محمد أبو الخير إسماعيل.
وناقشت الجلسة الثانية من الندوة، مفهوم الاستطاعة في الإسلام وأبعاده الفقهية والواقعية، بمشاركة كوكبة من العلماء من داخل المملكة وخارجها، من بينهم سماحة المفتي العام للقدس، ووكيل الأزهر الشريف، ورئيس جمعية نهضة العلماء بإندونيسيا، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء.
وتُعدّ ندوة الحج الكبرى إحدى أبرز المنصات العلمية والمعرفية التي دأبت وزارة الحج والعمرة على تنظيمها منذ عام 1397هـ، بمشاركة فقهاء وعلماء وباحثين من مختلف دول العالم، لمناقشة القضايا المتصلة بالحج في أبعادها الشرعية والاجتماعية والتنظيمية والصحية.
وقد رسّخت الندوة مكانتها بوصفها منارة فكرية تُبرز الدور الريادي للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين، وتعزز مبدأ الحوار البنّاء بين علماء الأمة، وتسهم في تأصيل مفاهيم التيسير والاعتدال، وتطوير منظومة الحج بما يلائم تطلّعات العصر وتحدّياته.
الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز
بدوره ألقى الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، كلمة افتتاحية أوضح فيها أن «المملكة منذ توحيدها أولت عناية فائقة بالحرمين الشريفين والحج، فجعلت خدمة ضيوف الرحمن شرفاً وواجباً ومسؤولية تاريخية تتوارثها القيادة ويتسابق المواطنون على شرف نيلها, وتواصل هذا النهج المبارك في عهد أبنائه البررة حيث أثمرت هذه الجهود وهذا الحرص مشاريع عملاقة وتسهيلات نوعية، وخدمات إنسانية ترافق ضيوف الرحمن منذ لحظة قدومهم حتى مغادرهم مطمئنين إن شاء االله».
وقال: «يأتي هذا الاهتمام المتواصل في خدمة الحجاج والمعتمرين امتداداً للنهج الراسخ منذ تأسيس هذه الدولة ويقوم على تسهيل جميع الإمكانات لتيسير وأداء المناسك والارتقاء بخدمة الحاج والمعتمر من خلال بنية تحتية متقدمة تُمكّن أكبر عدد من المسلمين من أداء مناسكهم بأفضل السبل، ورفع جودة الخدمات المقدمة لهم، تعزيزاً لقِيَم الكرم والرحمة والرعاية التي تحرص عليها هذه البلاد، وانطلاقاً من المسؤولية العلمية والتثقيفية تعمل دارة الملك عبد العزيز على توثيق مشروع علمي ومعرفي رائد تحت عنوان «مشروع تاريخ الحج والحرمين الشريفين»، حيث يوثّق رحلة الحاج الكبرى منذ بدايتها حتى يومنا هذا، ويبرز الجوانب الحضارية والتنظيمية، مسلّطاً الضوء على مسيرة الحجاج وتجاربهم في مختلف دول العالم.
وأعلن عن إطلاق ملتقى تاريخ الحج والحرمين الشريفين الذي تنظمه الدارة بالتعاون مع وزارة الحج ليكون منصة علمية وثقافية رائدة تعزز الإرث الحضاري للحرمين الشريفين وتسهم في إيجاد بيئة معرفية وحيوية للتبادل العلمي والبحث من مختلف دول العالم.
وختم سموه حديثه قائلاً: «إن ما تقدمه المملكة في خدمة الحجاج والمعتمرين ليس امتداداً لتاريخ مشرف فحسب، بل هو تجسيد حيّ لرؤية طموحة تسعى للارتقاء بهذه الرسالة النبيلة لتبدو أنموذجاً يحتذى به عالميًّا في التنظيم والرعاية الإنسانية»، سائلاً الله تعالى أن يديم على الوطن أمنه واستقراره، وعزّة قيادته الرشيدة، وأن يتقبّل من الحجاج حجّهم، ويعيدهم إلى بلادهم غانمين سالمين.
البيان الختامي
وفي نهاية الأعمال صدر البيان الختامي للندوة الذي أكد على أن اختيار هذا الموضوع جاء استجابة لحاجة ملحّة في ظل التحديات الصحية والتنظيمية والبيئية المعاصرة، حيث لم تعد الاستطاعة محصورة في البُعد المالي أو البدني فقط، بل امتدت لتشمل القدرة العلمية والتنظيمية والالتزام بالأنظمة.
وأجمع المشاركون على أهمية تأصيل المفهوم الشرعي الصحيح للاستطاعة، وتوعية الحجاج بأبعاده الفقهية والواقعية، بما يضمن أداء الفريضة دون مشقة أو تفريط، وبما يتوافق مع مقاصد الشريعة التي تقوم على التيسير ورفع الحرج.
وأكدت الجلسات على ضرورة دعم البحث العلمي في هذا المجال، وتفعيل دور الجامعات ومراكز الدراسات في معالجة قضايا الاستطاعة في ضوء المتغيّرات المعاصرة، مع التشديد على أن مخالفة الأنظمة المنظمة لشؤون الحج تُعدّ أمراً محرّماً لما قد يترتب عليها من أذى وإخلال بالخدمة وسلامة الحجيج.
وثمّن المشاركون المبادرات النوعية التي أطلقتها المملكة لتيسير إجراءات الحج، ومنها «مبادرة طريق مكة»، التي سهّلت إجراءات الحجاج في بلدانهم، ومنصة «نسك» الرقمية التي تقدم حلولاً ذكية ومتكاملة لتحسين تجربة الحاج وتيسير رحلته بدءاً من الحجز وحتى العودة.
وفي ختام البيان، أعرب العلماء والباحثون عن شكرهم لجهود المملكة في تنظيم هذه الندوة، والإعداد لها، وحسن اختيار موضوعها، مؤكدين أن ما تحقق هو ثمرة التمكين والدعم الذي توليه القيادة الرشيدة -أيّدها االله- لخدمة ضيوف الرحمن، سائلين الله أن يحفظ الحجاج، ويتقبّل من الجميع، ويجعل هذا الموسم حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً.