اليوم تتنازعني الذكريات التي عشتها بحُلوها ومُرّها... ها نحن في لبنان نتنازع مع الواقع على مدار الساعة مع تهاطل الأخبار والتهديدات الإسرائيلية المتواردة على مختلف وسائل الإعلام... دائماً نستصبح بالوعيد بأيام سوداء... وما أنْ تدب الحياة في الصباح... تصل الأخبار باصطياد العابرين إلى الجنوب بالقذائف ويسقط الشهداء تِباعاً على طريق هذه القرية أو تلك... وكأنَّ أرواح البشر باتت رخيصة كما الهلاميات نتيجة الضربات الإسرائيلية المتعاقبة... فعلاً كيف تتصيّد الطائرات البشر؟!... أليس هذا بوجود عملاء للعدو الإسرائيلي يوجّهونه للقيام باغتيال البشر والحجر؟!...
إسرائيل تريد القضاء على حزب الله وعلى سلاحه لماذا؟!... ربما لأنّها تخشى هذا السلاح... مع أنّ الاتفاق اللبناني والدولي حسب القرار 1701 وافق عليه لبنان والعمل جارٍ على تسليم السلاح... وهذا يحتاج إلى وقت ليتم ولن يحدث بكبسة زر وإنّما يحتاج إلى تفهّم مُكوّن لبناني واقتناعه بما يجب أنْ يتم؟!... إسرائيل لا تعرف الهدوء لأنّها تخشى أنْ يختلط الواقع وتعود للغوص في وحوله... ولهذا تلجأ إلى القصف والتدمير حتى ولو كان ليل الخميس – الجمعة الماضي ليلة عيد الأضحى المُبارك.. تُرى هل تقرّه الشرائع الدولية أو تدعمه الدول الأوروبية والأميركية محاباة لـ«بيبي» الذي يُعتبر «دراكولا الحروب»؟!...
ولأنّني اليوم أتصوّر ذكريات مضى عليها تسعة وأربعون عاماً... إلا أنّني أعيش في خيمة ذكرياتي أتحسّر على رفاقٍ رحلوا راضين إلى ربّهم مُضمّخين بدمائهم الذكية... أتذكّرهم وتحمرُّ عينايا لكن دمعي الذي احترق في التاسع من هذا الشهر وأوصلني إلى الهذيان لفترة ثلاثة أشهر... وأوّل ما نطقت به كان «الولي وإولادة أين أنتما؟!»... حُرقة لا يقبلها دمع ولا قلب أنْ ترحلا دون وداعي مع أنّه في خِطاب الوداع كان الشهيد يودّع ويرسم لشعبه الطريق؟!...
كل ما فهمته منه من الهاتف بأنّه ذاهب في رحلة قد تطول وأنّه سيحدّثني في الخامس والعشرين من هذا الشهر... لكن هاتفي لم يرن وكانت الفاجعة حصلت؟!... في بلاد العالم يجعلون من أي شيء ذكرى وإنصافاً... لكن أنْ تجعل «وطاويط الليل بحاجتها في عز النهار وتُلغي ذكرى المجد التي سطّرها لهم القائد؟!... هؤلاء ليسوا بشراً؟!... هؤلاء ما هم إلا «جماعة عيّاشة» يحاولون السيطرة على ما كان وسيكون؟!... شكراً لسُكّان الداخلة المحتلة... شكراً لكل أحرار وطني الأسمر... شكراً للأُمّهات العظيمات اللواتي زرعن القوّة والعزم في نفوس الأحرار؟!...
يا رمال تلّة الحمادة النحاسية ثوري... أخبريهم بخطى ذاك الشاب الطويل الحاذق الرحيم الودود المحافظ على العليات والأطفال والاهتمام بالعجزة... يا مارد الفكر والعقل والتخطيط هل أسرعْتَ الخُطى لتأديب المختار ولد دادة اللعين؟!...
يا حارق المراحل للوصول إلى الهدف... انتفض لنذهب إلى شاطئ المحيط... إلى زُبَارة في «وادي الساق» لنُصلّي جمعاً فيها ليلة الأربعاء.. ونعود في الخفاء عابرين صحراءنا الجميلة لنصل إلى بَرِّ الأمان... فعلتها مرّات ومرّات وهذا فِعل «الرجال الرجال»... لكن إلغاء يوم الشهيد سيكون عاراً لن تنساه الأجيال؟!...
يا مارد العقل الحصيف.. لا تخشى أنتَ أحد زعماء إفريقيا العظماء وأصغرهم عُمراً... صنعتَ تاريخاً لوطنِكَ قبل نفسكَ... تاريخاً سيعجز غيركَ عن تبوّئه مهما كانت تأثيرات ذاك المستكين... التاريخ لن يرحمه وستلعنه الأجيال جيلاً بعد جيل مهما كان التضليل والالتواء؟!...
نعم... نَمْ قرير العين في بِنشاب حتى لا ترى ما يُرى وما كان وما سيكون.. انتظرني لأقُصَّ عليكَ ليلة الغد نشرة الأحرار؟!...