في بلدٍ يئنّ تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والبطالة المقنّعة، قررت شابة في الخامسة والعشرين من عمرها أن تنتصر لكرامتها، وتغادر مكان عملٍ لم يعد يشبهها، بعدما تحمّلت طويلاً ضغوطات لا تُطاق ومزاجية ربّ عمل لم يعرف يوماً قيمة الجهد والتعب.
في مؤسسة لبنانية خاصة، عملت الشابة بكل إخلاص، لكنها سرعان ما اصطدمت بواقعٍ مرير: إدارة لا ترى الموظفين سوى أدوات تنفيذ، وبيئة عمل تخلو من أبسط معايير الإنسانية. لا تقدير، لا استراحة، لا حقوق. فقط ساعات طويلة من العمل المتواصل، وتوتر دائم يخيّم على المكان، وكأنّ مصير البلاد متوقف على التفاتة موظف أو تنفّس زميل لبضع دقائق.
ورغم أن الوضع الاقتصادي لا يسمح بالمجازفة بخسارة أي مورد رزق، إلا أن الشابة لم تتردد في اتخاذ قرارها. تقول: «طفح الكيل. لم أعد أحتمل أن أُعامل كأنني عبدة، كل خطأ بسيط يتحوّل إلى ساحة تجريح، ولا أحد يقدّر ما نبذله من تعب.»
ليست وحدها. فزملاؤها الذين سبقوها إلى الرحيل فعلوا الأمر نفسه، بعد أن لمسوا استحالة الاستمرار في مكان لا يحترم الإنسان، ولا يعرف شيئاً عن قانون العمل الذي يُفترض أن يحميهم.
ما يزيد الطين بلّة أن النقابات، سواءٌ الرسمية منها أو ما يُعرف بـ«النقابات الحرة»، تبدو غائبة تماماً عن المشهد. «الشكوى لغير الله مذلّة»، تردد الشابة، في بلدٍ غاب فيه الرقيب، فصار بعض أرباب العمل يتحكمون بمصائر الناس وكأنهم آلهة.
قد يكون قرارها بالمغادرة مخاطرة في هذه الظروف، لكنه أيضاً فعل حرية. «لن أسكت عن حقي»، تقول بثقة. «صاحب الحق سلطان، ومهما كان الحاكم جائراً، فصوت الحق سيعلو يوماً ما، وسيأتي من يحاسب الظالم إن لم يكن على الأرض ففي السماء حتماً.