بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

5 تموز 2025 12:15ص من إعلام العدو: نتنياهو يجرجر الصفقة على حساب حياة الر هائن

حجم الخط
عاموس هرئيل

لأول مرة منذ وقت طويل، أصبحت الأمور واضحة، ولم تعد النيات مخفية خلف سلسلة من التصريحات المتناقضة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يرغب في استثمار ما يصفه بـ«النصر الكبير على إيران»، لفرض نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط. وبالنسبة إليه، المحطة الأولى هي غزة.
وفقاً للنغمة المتناغمة إلى حد كبير، التي تبنّتها الأبواق المحلية منذ منتصف الأسبوع، يبدو كأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يدرك ذلك أيضاً. لقد جدّد ترامب الضغط على إسرائيل و«حماس» للموافقة على صفقة تبادُل أسرى، بالتزامن مع زيارة نتنياهو المرتقبة لواشنطن في مطلع الأسبوع المقبل.
ومع ذلك، وكالعادة، لا يزال هناك عقبات تعترض الطريق نحو الهدف. تتخوف «حماس»، التي يُتوقع أن تقدّم ردها خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعد أن وافقت إسرائيل، من حيث المبدأ، من الوقوع في فخ. يخشى التنظيم من أن يُفرج عن الأسرى مرة أُخرى من دون تحقيق هدفه الأساسي: إنهاء الحرب بشكل نهائي، مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من قوته المتبقية. أمّا نتنياهو الذي يدين كثيراً لترامب، بعد أن ساعده في الحملة ضد إيران، وتصرّف بعكس موقف الأغلبية في قاعدته في الحزب الجمهوري، فلا يزال يحاول الحفاظ على مخرجٍ ما يُبقي على ائتلافه السياسي حياً.
تشير شروط الصفقة الحالية إلى أن إسرائيل أهدرت شهوراً من دون جدوى. واستناداً إلى المقترح الذي طرحه ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص، سيُفرَج عن نصف الأسرى الأحياء (10)، وستُعاد جثامين أكثر من نصف القتلى (18 من أصل 30) على خمس مراحل خلال هدنة تمتد 60 يوماً. خلال هذه الفترة، سيتم التفاوض بشأن المرحلة التالية، والتي من المفترض أن تنهي الحرب، وتؤدي إلى الإفراج عن جميع الأسرى. نتنياهو هو من يصرّ على تقسيم الصفقة إلى مراحل، في محاولة لضمان بقاء حكومته، وهو ما يؤدي إلى إطالة معاناة الأسرى وعائلاتهم وسكان كلا الجانبين.
بحلول نهاية الشهر، سيدخل الكنيست في عطلة الصيف، الأمر الذي يضمن بقاء الائتلاف الحاكم حتى تشرين الأول/أكتوبر على الأقل. وحتى ذلك الحين، يمكن خداع بن غفير وسموتريتش بالمراوغات وأنصاف الحقائق.
لا يزال الصراع بين المصالح واضحاً. فبينما تسعى حركة «حماس» لهدف نهائي - إنهاء الحرب، مع تقديم الحد الأدنى من التنازلات عن «أصولها» (الأسرى والجثامين)، يحاول نتنياهو تحقيق العكس تماماً، تقليص عدد الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم «حماس»، من دون التوصل إلى حلّ نهائي، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تفكيك حكومته. وفي هذه الأثناء، هو يراهن على عامل الوقت.
أمّا ترامب، فيبدو كأنه يسعى لتليين مواقف الطرفين لتحقيق أهدافه. فيما يتعلق بنتنياهو، فإنه يريد استدراجه، خطوة خطوة، نحو الالتزام بصفقة جزئية تفتح الطريق أمام صفقة كاملة لاحقاً. أمّا بالنسبة إلى «حماس»، فهي تطالب بالحصول على ضمانات من خلال قطر، بأن إسرائيل لن تستأنف الحرب بعد الهدنة، مثلما فعلت في آذار/مارس الماضي. في الخلفية، يلوّح ترامب لنتنياهو بإغراءات إضافية - مثل إمكان توسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل دولاً إضافية. فمؤخراً، ظهرت تقارير بشأن محادثات سرية بين إسرائيل وسورية. فعلاً، تجري وراء الكواليس تحركات تنسيقية قد تساعد النظام السوري الجديد على تقليص المساحات التي احتلتها إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر الماضي. ومع ذلك، من الصعب إجراء تطبيع بين إسرائيل وسورية، من دون استعداد إسرائيل لإعادة جميع الأراضي التي احتلتها في الجولان - المطلب الذي تمسّك به جميع الرؤساء السوريين منذ سنة 1967.
في المدى الطويل، يسعى ترامب لإنشاء تحالفات إقليمية جديدة بقيادة أميركا، وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وإلى جانب إنهاء الحرب، يأمل أن يحقق بذلك هدفاً إضافياً: الفوز بجائزة نوبل للسلام هذا العام. ويبدو كأنه مستعد لفعل كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف، من التهديدات إلى المجاملات. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم هجومه على الجهاز القضائي الإسرائيلي، كنوع من المجاملة لنتنياهو. فكلاهما لا يستطيع الإدراك كيف يمكن للمحاكم أن تحاسبهما «على السيجار ودمية باغز باني»، بينما يعتقدان أنهما أنقذا شعبَيهما من محرقة ثانية - في حالة نتنياهو، من جانب إيران.
نظرة إلى الخارج:
في غضون ذلك، حدث تحوّل تدريجي، لكنه جوهري، في ميزان القوى داخل «حماس». كان يحيى السنوار الزعيم الفعلي للتنظيم منذ بداية الحرب وحتى مقتله في مواجهة مع قوات الجيش الإسرائيلي في رفح في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بينما كان شقيقه محمد السنوار، الذي اغتالته إسرائيل في خان يونس في آذار/مايو، يملك نفوذاً أقلّ من قيادة الخارج في قطر، والتي يترأسها اليوم خليل الحية، حالياً، يُعتبر عز الدين الحداد، آخر قيادات الداخل، الزعيم الرسمي للتنظيم في غزة. لكن فعلياً، يبدو كأن ميزان القوى مال لمصلحة قيادة الخارج.
حتى لو تم التوصل إلى اتفاق في الأسبوع المقبل، فإن الطريق نحو صفقة نهائية لا تزال غامضة. إن المقترح المصري-السعودي المطروح منذ أشهر يتضمن تأليف حكومة تكنوقراط في غزة، ودخول قوة عربية متعددة الجنسيات، وتمويل إعادة الإعمار من دول الخليج، ودوراً رمزياً للسلطة الفلسطينية في القطاع. نتنياهو يعارض البند الأخير بشدة، بينما توافق «حماس» على الخطوط العريضة للمقترح، وقد تكون مُنهكة جرّاء الحرب، كي تتخلى عن الحكم المدني. لكنها ترفض التخلي عمّا تبقى من قوتها العسكرية، ومن غير المرجح أن توافق على نفي بعض قادتها، مثلما يطالب نتنياهو. أمّا بالنسبة إلى بن غفير وسموتريتش، فلا يحتوي الاتفاق على أيّ بند يتماشى مع رؤيتهما المعروفة، مثل التهجير القسري للغزيين (تحت غطاء «الهجرة الطوعية»)، وإقامة إدارة عسكرية إسرائيلية في القطاع، أو إعادة بناء المستوطنات بالتدريج.
فالقيادة الأمنية الإسرائيلية تتبنى موقفاً مغايراً تماماً. فهي تدرك، أكثر فأكثر، أن الحرب استنفدت أغراضها في غزة، ويجب وقف النزيف البشري وتحقيق صفقة تشمل الإفراج عن جميع الأسرى الأحياء. ومفتاح ذلك، إلى جانب نتنياهو، هو رئيس الأركان إيال زامير، الذي يتمتع بدعم نسبي لأنه لا يتحمل مسؤولية مباشرة عن إخفاقات 7 أكتوبر، وحقق نجاحاً في توجيه تحركات الجيش الإسرائيلي ضد إيران. وأخبر الوزراء في عدة مناسبات أن «حماس» مهزومة ومحاصَرة، وترغب في إنهاء الحرب. ويرى أن الحملة ضد إيران حسّنت الوضع على الساحة الفلسطينية أيضاً، لأن طهران لن تستطيع تقديم دعم مباشر للحركة قريباً، كما أن التقارب الأميركي - القطري (الذي ساعد على التوصل إلى هدنة مع إيران) قد يساهم في دفع قطر للضغط على «حماس» أيضاً...

المصدر: هآرتس
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية