بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الثاني 2023 12:20ص التحريض الطائفي لا اتفاق الطائف

حجم الخط
التأزم السياسي المتفاقم في البلد، ليس سببه سوء تطبيق دستور الطائف وحسب، بقدر ما يعود إلى أسوأ قانون إنتخابي في العهود الإستقلالية، الذي أفرز أكثر المجالس النيابية شرذمة، وأفقرها في رجال القانون والدستور والتشريع.
ليس صحيحاً أن إتفاق الطائف الذي أنهى الحرب المديدة، ووضع أسس دولة المواطنة، وأوضح ما كان يجب توضيحه في بنود الميثاق الوطني، وصيغة العيش الواحد بين اللبنانيين، هو الذي يُفرز الأزمات الواحدة تلو الأخرى، ويتسبب بهذا العجز الفادح في السلطة، وظهور سرطان الفساد في مواقع القرار بالدولة، ويُكرس الممارسات الطائفية البغيضة، وما يواكبها من  خطابات تحريضية وشعبوية رخيصة.
حملات التشكيك بالطائف تتجاهل، عن سابق إصرار وتصميم، ما نصت عليه بنود وثيقة الوفاق الوطني، ونصوص الدستور المنبثق عنها، التي تؤكد صراحة على أهمية تأمين التوازن في السلطة، ومراعاة الفصل بين السلطات، وضرورة إحترام إستقلال القضاء، وحصر طائفية الوظيفة في مناصب الفئة الأولى فقط، على أن تكون الكفاءة والإختصاص هي المعايير المعتمدة في التعيينات الإدارية، فضلاً عن نزع الشرعية عن كل سلطة تُناقض ميثاق العيش المشترك. 
لا نبالغ إذا قلنا أن لبنان يدفع اليوم الأثمان الباهظة للهروب من تطبيق دستور الطائف، وما تسببه من خلل مزمن في السلطة التي أصبحت أسيرة موازين القوى المحلية، ضاعت معها التوازنات الضرورية لتحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي، وضاعت معها مقومات الدولة الأساسية، بعدما حلّت الأحزاب وقوى الأمر الواقع، مثل حزب الله، مكان السلطة الرسمية في العديد من المرافق العامة. 
ما جرى في العهد العوني من محاولات لتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة، وتحجيم دور مؤسسات الرقابة، عيّنة من أسباب هذا الخلل الحاصل حالياً في المعادلة الداخلية. وكذلك حال «الحملة الباسيلية» على الجلسات الإستثنائية لحكومة تصريف الأعمال، لتدبير شؤون البلاد والعباد، على نحو ما حصل في سلفة الكهرباء وتفريغ حمولة بواخر الفيول والغاز، تلك الحملة التي تصب الزيت على نار الحساسيات الطائفية التي تحتل حيِّزاً مهماً في خطاب التيار العوني. 
«عودوا إلى الكتاب» أي إلى الدستور، كما كان يردد الرئيس فؤاد شهاب، عند كل منعطف لخلاف سياسي حول قضية حساسة ومثيرة للجدل. 
ولكن في ذلك الزمن الجميل كان ثمة رجال الدولة يدركون أهمية الحفاظ على التوازنات في الدولة، وتجنب الخلل في المعادلة الوطنية، التي كانت محكومة بقاعدة: لا غالب ولا مغلوب.