بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

30 أيلول 2022 12:00ص ٥٢ عامًا من الحضور!

حجم الخط
أمس الأول رحل جمال عبد الناصر! حدَثَ ذلك قبل ٥٢ عامًا. وبرحيله خُتمت مرحلة وفُتحت مرحلة جديدة. الجدل حوله لم يتوقّف بعدَ غيابه ولن يتوقّف طيلة غيابه. فعبد الناصر مثل أي زعيم سياسي آخر، له ما له وعليه ما عليه. ما فعله ترك آثاره البالغة فينا ولا يزال جزءًا من حاضرنا. هزيمة ٦٧ خيرُ مثال على ذلك. لكن أيضًا، وبالقوّة نفسها، اللاءات الثلاث وحرب الاستنزاف، ومن قبلهما تأميم قناة السويس ومقاومة العدوان الثلاثي والوحدة مع سوريا. مرحلة حافلة بالتطوّرات الجيوسياسيّة في عالم ما بعد الحرب العالميّة الثانية، أبلى فيه عبد الناصر بما اعتقده صحيحًا في زمانه. وما تنبّه إلى فساده وخطئه، ولو متأخّرًا، أقرّ به أيضًا. وتلك برأيي مأثرةٌ لم تذهب لغيره من حكّام زماننا بعد. حبُّ الناس لزعامته العربية والدولية لا يُنازع فيه سوى حاقد. فهل وجدنا له مثيلًا؟. ماذا فعل الكارهون له من بعده؟ أولئك الذين حاربوا عبد الناصر ونظامه باسم الإسلام، أين هم اليوم؟ الخطب التحريضيّة التي تمترست خلف صخرة الدين العزيزة أين أصحابها؟ وأيّ قادة أنجبت لنا؟ وأيّ معارك خيضت من بعده باسم الأمة؟ فأن تسمّي نفسك أخًا للمسلمين أو حزبًا لله أو أميرًا للمؤمنين، لن يُغنيك من الحقّ شيئًا. كان عبد الناصر العدوّ في نظرهم. اليوم صار العالم الإسلامي كلّه يلفظهم ويُطارد أفكارهم المتطرّفة والضّالة، حتى الدول التي آوَتْهُم في الماضي نكايةً تخلّت عنهم اليوم بعدما أحسّت منهم الخيانة. الفرق أنّ عبد الناصر حارب موقفهم السياسي فقط واستغلالهم للدّين من أجل السلطة. لكن اليوم الحرب ضدّهم امتدّت إلى ما هو أبعد من السياسة. وفي هذا خطر عظيم مُقبِل. من جهة ثانية أين الأنظمة العروبيّة والثورية التي قاتلت عبد الناصر على كلّ شبر وكلّ حرف؟ أين انتهى مصيرها؟ هل التصقت بشعوبها حتى تأمَن منها؟ هل انتصرت على أعدائها؟ هل استرجعت أراضيها المحتلّة من غير أن تخسر أوطانها ودولها؟ أمضى عبد الناصر حياته القصيرة يُحارب الاستعمار. حارب إسرائيل على أرضه وبدماء شعبه. لم يحارب بغيره على حساب الدول المجاورة. لكنّه لبّى نداء كل استقلال. لم ينشئ حزبًا له أو يبني ميليشيا مسلحة تأتمر بأمره وراء الحدود. كان عربيًا فوق الطوائف والمذاهب وفوق الاثنيّات والأعراق. كان مصريًّا لكل العرب، ووحدويًّا لكل المصريين. وقد ظل حتى آخر حياته يُمثّل حلم الدولة العربية المستقلة والعصرية. هل كان ديكتاتورا؟ الجنازة التاريخية المهيبة تجيبكم!
أخبار ذات صلة