طالما أنّه ما من عفو عام، فإنّ قضية الموقوفين الاسلاميين لن تخمد نارها، والأهالي إنْ استجابوا لطلب المشايخ وهيئة العلماء المسلمين بوقف تحرّكاتهم واعتصاماتهم التي سبق ونفّذوها في الشوارع، الا انهم حتماً سيعودون ويلجأون للتصعيد، سيما اذا ما استمرّت الحال على ما هي عليه داخل سجن رومية.
فما يجري أكبر بكثير مما يتناوله الناس عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والأهالي الذين يتواصلون مع أبنائهم عبر الهواتف، يدركون جيداً أن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ، وما جرى مؤخراً من مشاكل تخلّلها ضرب بالسكاكين، سقط خلالها عدد من الجرحى في صفوف السجناء في المبنى (د) لأسباب قيل بأنّها طائفية، ستتكرّر وتتفاعل في ضوء الصراعات السياسية القائمة، وما يجري على أرض الواقع خارج السجون، سينعكس سلباً على المساجين من أبناء الطائفة السنية، الذين يتلقّون الضربات الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من أحداث التبانة وجبل محسن، وصولاً الى داخل السجون اللبنانية، والتي يعانون فيها الأمرّين، نظراً للأوضاع المأساوية التي يعيشونها، وكأنّه لا يكفيهم ذلك فتأتي ذكرى «عاشوراء» لتكون سبباً لبلائهم من جديد.
كل ذلك والقوى الأمنية لا تحرّك ساكناً، ولا تمنع مَنْ تخوّل له نفسه بفعل تعاطي المخدرات أن يتهجم على السجناء، فيُهين الكرامات، ويلعن الطائفة، وينكّل بأبنائها، وجُلُّ ما يمكنها القيام به هو منع السجناء من التواصل مع أهلهم لحين انتهاء القضية.
الأهالي الذين ملّوا المطالبة بالعفو العام، يناشدون الدولة اللبنانية برمتها، إنقاذ أبنائهم قبل فوات الأوان، فهل ستجد مطالباتهم الآذان الصاغية؟؟؟
قبلنا بالسجون ولم تقبل بنا
{ جمال قصّاص (زوجة الموقوف عمر محمد ايعالي) قالت: «تمَّ توقيف زوجي منذ أربع سنوات بتهمة الارهاب، وجرت محاكمته بالسجن لمدة سنتين عن أحد الملفات، أما الملف الثاني فلم تتم محاكمته أو استجوابه، بالرغم من أن الكل أجمع على أنّ ملفه فارغ، فتقدّمت بعدّة طلبات إخلاء سبيل، بيد انني لم أنجح، وهنا اسأل لما كل هذا الظلم؟؟؟ وفي حال تمّت تبرئة زوجي في الملف الثاني، فمَنْ هي الجهة المسؤولة عن التعويض لزوجي وعائلتي؟».
ولفتت قصاص الى انه «ما من معيل لها بعدما توفي ابنها في سوريا، حتى ان زوجها في السجن بسبب ذلك، فأين العدل في هذا الموضوع؟. مؤخراً هناك الكثير من المشاكل داخل سجن رومية، وإنْ كان زوجي في مبنى بعيد عن المبنى (د)، إلا ان الأجواء برمتها متوتّرة، ونحن نخشى من أي تطوّر، وحينها لا ينفع الندم، برأيي العفو العام بات من الماضي ولن يتحقّق، والكل سعى الى الحد من تحرّكاتنا بل والقضاء عليها، وحتى الساعة لم نلمس أي حسن نيّة، فما الذي يمكن فعله؟؟ طبعاً أوضاعنا الاقتصادية سيئة جداً، ولم يعد بمقدورنا تقديم العون للمساجين، فهل نتركهم لقدرهم؟؟؟ بالكاد يمكنني تأمين لقمة العيش لعائلتي، وحدهم أصحاب الخير يقرضونني المال لكن الأمر لن يستمر».
وختمت قصاص: «منذ لحظة وفاة إبني وسجن زوجي، وأنا انسانة أعيش جسداً بلا روح، وأعتقد بأن كل الأهالي يعيشون حياة مشابهة، فكفانا ظلماً وتلاعباً بحياتنا التي لم تعد تستحوذ على اهتمامنا».
{ من جهتها سهير حلوم (زوجة أحد الموقوفين) قالت: «زوجي في المبنى (د) حيث المشاكل قائمة منذ عدة أسابيع، ومؤخّراً خلال زيارتي له تأخّر بالحضور، ومن ثم أخبرني بأن أحداثاً تقع بشكل يومي، وبعد هذه الزيارة لم أعد أعرف شيئاً عن وضعه بسبب انقطاع التواصل بيننا».
وردّاً على سؤال قالت: «لا يمكننا التكهن بشيء، يقولون بأنّ هناك عدّة إصابات، والواقع لا أعرف ان كان زوجي من ضمنهم، بيد انني أتضرع لله أن يحفظه ليعود لنا بسلامة، طبعاً سنقوم بكل التحرّكات، فلن نكن أو نستكين لحين تحقيق مبتغانا بتحقيق العفو العام.. هم يقولون بأنّه وبمجرد تشكيل الحكومة سيُتّخذ القرار بالعفو، ونأمل ألا يكون وعداً كما الوعود السابقة، لكن نتمنى الخير لنا ولكل السجناء، وإنْ لم يكن العفو فنأمل الإسراع بالمحاكمات، وفي هذا الخصوص نناشد كل السياسيين بغية الوقوف الى جانبنا».
{ إيمان بعجور (والدة بلال بقار) في المبنى (د) في سجن رومية قالت: «منذ ثلاث سنوات وإبني في السجن بتهمة تفجيرات بيروت، منذ اللحظة الأولى طالبت بنقله من سجن رومية، ومن مبنى (د) تحديداً نظراً لظروفه القاسية، لكن بلا جدوى، والحقيقة أن المشاكل نشبت في السجن قبل عشرة أيام من ذكرى عاشوراء، بل ومنذ انتفاضة المبنى (د) نحن نعاني ونعرف كل شيء، أقول بأنّ هناك مجموعة من السجناء يمارسون الارهاب على أبناء الطائفة السنية، بل هم يتعرّضون لهم بالإهانات والضرب وتلفيق التهم، وقد أخبرنا الوزير محمد كبارة بكل ما يجري نظراً إلى وقوفه الدائم الى جانبنا، واليوم لا نعرف مصير أبنائنا، ولا نعرف متى ستنتهي هذه المعاناة، هناك من يتعاطى المخدرات داخل السجن، ومن ثم يقوم بضرب السجناء، فأين القوى الأمنية المولجة الاهتمام بحياة أولادنا؟، منذ الآن وصاعداً سنصعّد تحرّكاتنا لحين نقل أولادنا الى سجون أخرى».
زمزم
{ المحامي علي زمزم المعني بالدفاع عن الموقوفين الاسلاميين قال: «مما لا شك فيه أن قضية العفو العام وصلت في الحكومة السابقة الى مراحل متطوّرة، ووُضِعَتْ المسودات من قِبل الأفرقاء السياسيين، بيد انه لم تكن هناك موافقة على كل المطالب، بحيث كان لكل فريق سياسي رأي مخالف، وهكذا دخلت قضية الاسلاميين مع قضايا العملاء وتجار المخدرات، أما اليوم فإن القضية انتهت ولم يعد هناك عفو عام سيما اذا ما تمّت شرعنة زراعة الحشيش».
وتابع: «هناك وعود مع الحكومة الجديدة، لكن شرعنة الحشيش ستسمح لفئة معينة بالاطاحة بالعفو العام، وهنا نعود الى عملية التسريع بالمحاكمات، التي تتعرض للكثير من المشاكل في الاجراءات القانونية، وهنا لا يجوز القاء اللوم على المحكمة العسكرية نظراً إلى وجود الكثير من الضغط لجهة الملفات، وأي قضية تضم عدّة موقوفين قد تتأخر بسبب غياب أحد المحامين، تماماً في حال رفض أحد الموقوفين حضور الجلسة فإنّها تؤجّل لعدّة أشهر وأكثر».
وختم: «برأيي الحل لن يكون إلا من خلال إقفال ملفات وجدت بفعل الظروف كأحداث الجبل والتبانة. إلى جانب كل ذلك الحاجة ملحة لإعادة تأهيل السجون والتي لا تصلح أصلاً للسجناء والذين قد يتحولون من جنحة الى جنايات».