بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2023 12:39ص أخطار الأزمة الإيرانية على أمن المنطقة

حجم الخط
في الوقت الذي كانت فيه شعوب العالم تحتفل بمناسبة حلول عيدي الميلاد ورأس السنة، وفي الوقت الذي كانوا يتبادلون فيه التهاني، معبرين عن فرحهم بميلاد السيد المسيح، ويتطلعون فيه الى سنة جديدة تحمل اليهم المزيد من النجاح والتقدم، كان النظام الايراني يسترسل في عمليات قمع المتظاهرين في شوارع العديد من المدن الايرانية، كما يستمر في تلفيق الاتهامات للمتظاهرين والطلاب في غياب كامل لكل اجراءات العدالة القضائية، وعدم توافر اجراءات سليمة للتحقيق او المحاكمات، تمهيداً لاصدار احكام الاعدامات بالجملة.
مع استمرار تصعيد الموقف الشعبي ضد النظام وضد ولي الفقيه بالذات كانت عملية اصدار احكام الاعدام تتضاعف يوماً بعد يوم، مع توقع تنفيذ عقوبات «حد الحرابة» ضد هؤلاء المحكومين، الذين لا تتعدى في الحقيقة جريمتهم حدود المطالبة بتحسين الاوضاع المعيشية، وتوفير فرص العمل للشباب، بالاضافة الى فك الحصار المضروب على النساء الايرانيات من قبل الاجهزة الدينية وشرطة الاخلاق.
يبدو بوضوح من خلال تطور المظاهرات والتشدد في عمليات القمع وصدور احكام بالاعدام بالجملة بأن الثقة بين معظم المواطنين الايرانيين والنظام «القمعي» المتمثل بالحرس الثوري وقوات الباسيج بالاضافة الى السلطة القضائية القائمة على رجال الدين، والتي تلجأ الى فتاوى وضعها الامام الخميني، والتي خلط فيها بين المفاهيم «المتزمتة» للاسلام والسياسة، بحيث اصبح ما تراه الدولة والنظام حقاً بالمطلق، وان من يخالفه يحارب شريعة الله، ويمكن اتهامه بالارتداد عن الاسلام، ويفتح بالتالي الطريق لاعدامه.
في ظل التطورات التي تشهدها ايران فقد ارتفعت اعداد الاعدامات في ايران بنسبة 88 في المائة خلال عام 2022: حيث باتت طهران تتصدر دول العالم في تنفيذ الاعدامات الصادرة ضد المعارضين السياسيين للنظام، وليس ضد المجرمين العاديين، وهذا ما اكدته المفوضية السامية لحقوق الانسان. كان اللافت جداً ان التقرير الذي صدر عن المنظمة الدولية قد اشار الى ان الاقليات العرقية في ايران تتعرض بشكل خاص لعمليات الاعدام والقمع والخطف والسحل، وذلك ما يشير بشكل واضح الى ان النظام يعمل على تطبيق نظام «فصل عنصري» بشكل غير معلن.
يبدو بوضوح بان الاحتجاجات التي اطلقت شرارتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني باتت تتجه الى حقبة خطيرة بين النظام الاسلامي والمجتمع الايراني بوجه عام. ويشير تطور الاحداث الى ان عمليات الاحتجاج باتت مرشحة لتأخذ بعداً امنياً خطيراً، وذلك بعد تفاقم اعمال القمع من قبل الحرس الثوري والباسيج والذي بدأ يرد عليه بعض المحتجين باللجوء الى استعمال الاسلحة النارية ضد ملاحقيهم.
تعتبر الازمة الراهنة التي تواجهها ايران بأنها تشكل طعناً مباشراً بشرعية النظام الاسلامي القائم منذ 1979، ولكن السلطات الايرانية تجهد لدحض هذا التفسير من خلال تصويرها لما يجري على انه يشكل انتفاضات عنصرية وانفصالية تقوم بها بعض الاقليات العرقية، بالاضافة الى انها اعمال شغب وتخريب، تجري بتشجيع ودعم من اعداء ايران وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبعض الانظمة الاوروبية بالاضافة الى بعض الانظمة الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
مع حلول سنة 2023 تأمل قيادات الانتفاضة المستمرة منذ ما يقارب اربعة اشهر بأن يؤدي تضامن الايرانيين المنتفضين وتنظيم تحركاتهم في المدن في ان تكون هذه السنة حاسمة في مسيرة انتصار الشعب الايراني على حكامه، وعلى طريق تحقيق الحرية والعدالة، وانهاء حالة الحصار المفروض على ايران. في نفس الوقت يجري تحرك سياسي من قبل المعارضين للنظام الاسلامي في الخارج من اجل بناء جبهة سياسية عريضة قادرة على تشكيل البديل للسلطة الاسلامية القائمة في طهران في حال انهيارها.
تدعو حالة التدهور المستمرة داخل ايران في ظل استمرار المظاهرات وجنوحها للعنف الى طرح بعض التساؤلات عن شكل الحكم البديل للنظام الاسلامي، وعن انعكاسات اي تغيير عن امن واوضاع منطقة الخليج، بالاضافة الى تداعيات هذا التغيير على مختلف اذرعة ايران العسكرية الموجودة في الدول العربية، وعلى رأسها حزب الله في لبنان؟
في حال وصل نظام «الملالي» الى حالة من الضعف التي تهدد بسقوطه يمكن للحرس الثوري ان يتدارك الامر من خلال القيام بانقلاب عسكري، وتسلم كامل السلطات في محاولة لانقاذ الوضع من التفكك والسقوط. في ظل الحكم الجديد لا يمكن توقع حدوث تغيير في سلوكية ايران تجاه الغرب او تجاه الدول العربية. ويمكن في مثل هذه الحالة استمرار الدعم لمختلف الاذرع العسكرية الايرانية في لبنان وغزة وسوريا والعراق واليمن.
في حال سقوط حكم «الملالي» من دون وجود حكم عسكري بديل، فإن التنظيمات العسكرية التابعة لايران ستكون قادرة على الاستمرار ضمن اوطانها من خلال الاتكال على مصادر التمويل التي يمكن ان تؤمنها من بيئاتها الخاصة: فحزب الله له مصادر تمويله الخاصة بالاضافة الى ما يمكن ان يؤمنه له اثرياء الشيعة في لبنان، وسيتمكن بذلك من الاحتفاظ بموقعه السياسي والعسكري ضمن لبنان. في العراق يمكن لفصائل الحشد الشعبي ان تتنافس على بئر حصة من الثروة النفطية للاستمرار في دورها العسكري والسياسي داخل البلاد. ويمكن لجماعة الحوثيين الاستمرار في تمردهم على السلطات من خلال استغلالهم للموارد اليمنية الواقعة تحت سيطرتهم وخصوصاً الموانئ الواقعة على البحر الاحمر. ويمكن لحماس والجهاد الاسلامي تدبير امورهما في غزة، مع امكانية البحث عن بعض الدعم الخارجي، اما الوضع في سوريا فإنه سيكون مختلفاً بالنسبة لنظام بشار الاسد، والذي هو بحاجة لاستمرار الدعمين الايراني والروسي، وفي حال انحسار دورهما فإن النظام سيكون مجبراً على ايجاد البديل لدى عدد من الانظمة الخليجية، مع تسريع عملية المصالحة مع النظام التركي.
سيكون لاستمرار الانتفاضة في ايران مع امكانية جنوحها الى العنف تساقطات وتأثيرات على مختلف دول الخليج وذلك اولاً، من خلال دعوة ايران للمجموعات التابعة لها لإثارة المشاكل داخل المجتمعات العربية، ولتشكيل مجموعات ارهابية تعمل على زرع حالة من الفوضى داخل مجتمعاتها، هذا بالاضافة الى احتمال تدفق ملايين من اللاجئين الايرانيين باتجاه العراق والدول الخليجية ولبنان وسوريا.
تبقى اسرائيل الدولة الوحيدة القادرة على حماية نفسها من تساقطات الفوضى الايرانية، حتى في حال احتمال سقوط الحكم الاسلامي، ويمكن لاسرائيل في اضعاف الحكم الراهن، ومساومته من اجل وضع ضوابط لبرنامجه النووي لقاء نسج علاقات تعاون معه على غرار ما كان قائماً في زمن حكم الشاه محمد بهلوي بين تل ابيب وطهران.