بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 آذار 2023 12:33ص أزمة إشتدي تنفرجي.. أم تنفجري؟

حجم الخط
التصعيد السياسي الذي يرافق تطورات السباق الرئاسي، يكاد يكون أمراً طبيعياً في بلد ديموقراطي متنوع سياسياً، ومتعدد حزبياً، ويُعاني من إنقسامات طائفية، سرعان ما تطفو على السطح عشية كل إستحقاق دستوري.
لا خوف من إحتدام المواجهة السياسية بين القوى السيادية وفريق الممانعة، بعدما أعلن الرئيس نبيه بري ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وتمسك الطرف الأول بترشيح ميشال معوض، حيث يمكن القول أن متطلبات المعركة الإنتخابية، من حيث المبدأ، أصبحت متوافرة بوجود مرشحين الأول للموالاة، والآخر للمعارضة.
ولكن يبدو أن توفر المعطيات المحلية وحدها لا تكفي لتحريك المياه الراكدة في الإنتخابات الرئاسية، إذ لا بد من إنتظار التوافقات الخارجية حتى تكتمل صورة المشهد الرئاسي، الذي تتداخل فيه الألوان الخارجية مع المحلية، وغالباً ما تكون الخارجية هي المرجّحة في الموازين الإنتخابية، رغم كل ما نسمعه من أصوات سياسية، من هنا وهنالك، حول الحرص على لبننة الإستحقاق الرئاسي، وإبقائه ضمن الدائرة الداخلية البحتة، وهو كلام بعيد عن الأمر الواقع.
في الحسابات الأولية للعملية الإنتخابية، يتبين أن أيّاً من فريقي الموالاة والمعارضة ليس قادراً لوحده تأمين النصاب القانوني للجلسة الانتخابية، والذي يتطلب حضور ٨٦ نائباً، كما أن أيّاً منهما لم يؤمن بعد أكثرية ٦٥ صوتاً، لضمان فوز مرشحه في الجولة الإنتخابية الثانية. وهذا يعني بوضوح أن الأطراف المحلية لا تستطيع حسم المعركة الرئاسية لوحدها، وبمعزل عن الإعتبارات الخارجية، الإقليمية منها والعربية.
وفي السياق الخارجي للمسار الرئاسي، يبدو أن المشروع الفرنسي القائم على ما يُعرف «تسوية سليمان فرنجية ــ نواف سلام» لم يُقلِّع، لأن أطراف اللقاء الخماسي في باريس غير متحمسين له، لا سيما الدول الخليجية التي ترفض تكرار تجربة تسوية عام ٢٠١٦ «عون ــ الحريري»، التي أثبتت عدم واقعيتها، وفشلها الذريع في إنتشال لبنان من أزماته، بل أوصلت وطن الأرز إلى دوامة الإنهيارات الراهنة.
غير أن تعثر الإقتراح الفرنسي لا يعني أن الإتصالات والمشاورات بين العواصم المعنية قد توقفت، ولكن لا بد من الإشارة بأن الطبخة الرئاسية اللبنانية موضوعة على نار باردة، بإنتظار جلاء بعض الغيوم الداكنة في الإقليم، وتحديد إتجاهات التسويات المطروحة، على أكثر من صعيد، لإنهاء بؤر التوتر، وإستعادة الأمن والإستقرار في الدول التي تُعاني من مشاكل أمنية وإقتصادية وإجتماعية.
ولكن ماذا لو تعثرت مساعي التسويات، وتأجلت الحلول المنتظرة أشهراً أخرى، أو حتى سنوات أخرى؟
من غير المنطقي أن نتوقع أن يكون الأشقاء أو الأصدقاء «لبنانيين أكثر من اللبنانيين» أنفسهم. والمشكلة المستعصية التي يواجهها البلد هو هذا العجز المتمادي من المنظومة السياسية في تحقيق أبسط الخطوات المطلوبة للحد من إستمرار الإنهيارات أولاً، ثم الإلتفات إلى إتخاذ القرارات اللازمة على طريق الإصلاح والإنقاذ ثانياً وثالثاً وخامساً.
وكلما إرتفع صوت في الخارج يدعو اللبنانيين لمساعدة أنفسهم، يحصل العكس تماماً على مسرح السلطة اللبنانية المتهالكة، والتي أسقطت البلد إلى هوة «الدولة الفاشلة».
سياسياً، فَشَل ذريع في تمرير الإستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، وإنقسامات حزبية ونيابية تعطل العملية الإنتخابية، وتساهم في تمديد الشغور الرئاسي، وتداعياته المدمرة على البلاد والعباد.
حكومياً: لا تستطيع حكومة تصريف الأعمال التصدي للأوضاع الإستثنائية، بسبب ما تعانيه من إنفصام بنيوي، وإضطرار رئيسها لخوض المعارك الضارية، ويتعرض لنيران صديقة وعدوّة، كلما دعا مجلس الوزراء للإنعقاد، وإتخاذ بعض القرارات التي من شأنها إنقاذ العام الدراسي مثلاً، أو تخفيف معاناة الناس من المآسي اليومية.
برلمانياً: أطلقت النهاية التعيسة لجلسة اللجان العامة الأخيرة رصاصة الرحمة على آخر نشاطات مجلس النواب في ظل الشغور الرئاسي، لأن الكتل النيابية المسيحية أجمعت على مقاطعة جلسات «تشريع الضرورة»، وقررت تعطيل إجتماعات اللجان العامة، وبذلك يكون مجلس الأمة قد أقفل أبوابه حتى إشعار آخر.
إقتصادياً: حركة الدولار المتصاعدة يومياً تختصر عمق المأساة التي يعيشها اللبنانيون على مختلف المستويات الإجتماعية والمعيشية، حيث أموالهم محتجزة في المصارف التي تهدد بضياع جنى العمر. والحكومة في غيبوبة عن المعالجات الجذرية للأزمة المالية. وأرقام صيرفة والدولار الجمركي المتضاعفة بسرعة صاروخية، تُنْبئ وكأن الدولار الأسود ماضٍ في رحلة التفلت مخترقاً كل السقوف العالية، بعدما بلغ أعتاب المئة ألف ليرة.
هذه الخطوط العريضة للواقع المأساوي اللبناني مرشحة للتفاقم، ولمزيد من الإنهيارات في حال إستمر الإنقسام السياسي الراهن، ولم تظهر بوادر الإنفراجات في الإقليم، وتُرك لبنان يواجه تداعيات أزماته لوحده، كما هو حاصل حالياً، مع ما يعني ذلك من مخاطر وإحتمالات تختلط فيها عوامل الإنفراج والإنفجار.
فهل نحن أمام: أزمة إشتدي تنفرجي.. أم تنفجري؟