بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2018 12:08ص أزمة المرسوم والإنتخابات النيابية

حجم الخط
قصم المرسوم ظهر البعير، وكرّس قاعدة ذهبية في الأداء السياسي لن تلبث أن تصبح طقساً من طقوس إدارة الشأن العام في لبنان. ليس صحيحاً القول أنّ مفاعيل المرسوم تنحصر ما بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، فرئيس الحكومة ومعه السلطة التنفيذية التي أكلت يوم أُكل الثور الأبيض في الدوحة هما الخاسر الاكبر. توقيع رئيس الحكومة على المراسيم وفقاً للمادة 56 من الدستور، يوجب نشرها واعتبارها نافذة بعد انقضاء مهلة الخمسة عشر يوماً وفي حال عدم ردّها، حتى لو لم تقترن بتوقيع رئيس الجمهورية. المأزق إذاً هو مأزق السلطة التنفيذية ورئيسها قبل أن يكون مأزق رئيس الجمهورية، وبالتالي فانّ المبادرة التي يروّج لها للحل هي ضرورية لرئيس الحكومة أكثر منها لرئيس الجمهورية، لأنّ نشر المراسيم هي صلاحية لرئيس الحكومة دون سواه، إلا في حال ارتضى رئيس الحكومة أن يستمر كجزءٍ من رئاسة الجمهورية وهذا طبعاً مخالف للدستور.
من الواضح أنّ أزمة المرسوم هي إعلان قطع كلّ الجسور بين كلّ أطراف الصفقة الرئاسية، وإنّ شهور العسل التي أعقبت القِران الرئاسي قد ولّت لينتصب ميزان الحساب بالمفرّق بين الحلفاء في مرحلة الإقتراب نحو الإستحقاق الإنتخابي. لا يَخفى على أحد أنّ القانون النسبي يشكّل للثنائي أمل / حزب الله وحلفائهما فرصة سانحة للفوز بالكتلة الأكثر وزناً في الندوة النيابية، وبفارق سيحوّل الكتل الباقية، التي يستحيل تحالفها، الى مجموعات هامشية تدور في فلكهما. من هنا أتى ردّ الرئيس بري الحاسم على المتضررين ومنهم رئاسة الجمهورية عبر الوزير باسيل «إنّ الإنتخابات النيابية ستُجرى في موعدها، وأنّ قانونها الذي يعتمد النظام النسبي لا يمكن تغييره أو تعديله، فهو بات حرفاً لا يُقرأ بمعنى إنّ تعديله ممنوع، ذلك إنّ كثيرين يرغبون أو يحلمون بتعديل هذا القانون، الأمر الذي يستحيل الدخول فيه، فما كُتب قد كُتب والتحضيرات جارية لخوض الإنتخابات في موعدها». 
وزير الخارجية والمغتربين الذي أُوصدت بوجهه كلّ الآمال بتعديل قانون الإنتخاب، والذي يعتبر عدم إنجازه هو إخلال بإتفاق سياسي وبعملية ديموقراطية كاملة، يجعل نتائج الإنتخابات عرضة للطعن، جاء ردّه من خلال الخروج من المشهد في جولة مكوكية نحو مغتربات الداخل. جولة الوزير التي نسّق جزءاً منها أحد النواب السابقين من رموز الوصاية، شملت ثمانية عشر قرية عكارية، في غضون عشر ساعات رغم طول ووعورة المسالك المؤدية إليها. عبارات التجييش التي كرّرها الوزير سبق أن سمعناها لدى زيارته الجاليات اللبنانية في الخارج من استعادة الحق في التمثيل الصحيح، والتهميش والإحباط، إلى استرداد الحضور المسيحي وتدخّل السفراء في الحياة الوطنية. هذه العناوين أُطلقت في قرى يُدرك الوزير أنّها لا تتعاطف سياسياً معه وتعاني من إهمالٍ مزمن، وقد قام أحد وزرائها منذ أسابيع، بعد انقطاع الكهرباء لأيام عديدة، باقتحام مركز لمؤسسة كهرباء لبنان التي تتمتع بوصاية تياره، كما اتهمه الوزير نفسه بعرقلة التعيينات في الوظائف الشاغرة في الفئتين الثالثة والرابعة بحجة التوازن الطائفي. كان يمكن لعناوين التجييش هذه أن يكون لها وقع آخر لو أُطلقت في قضاء جزين أو في قضاء مرجعيون مثلاً حيث يكرّس القانون الجديد تهميش المسيحيين وغير المسيحيين.
الرئيس الحريري المتضرر الأكبر من المرسوم والذي رعى بالأمس حفل تكريم الرئيس السابق للمجلس الإقتصادي الإجتماعي، آثر التشديد على النأي بالنفس وعلى فصل المناكفات السياسية عن الإقتصاد وإعطاء الأولويّة للإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي والإجتماعي وأفاض بالكلام عن مؤتمرات دعم لبنان. ربما أقنعه بعض المخلصين أنّ ثباته في المعادلة السياسية اللبنانية تبقى رهن بدوره الإقتصادي وامتلاكه خارطة طريق للإستقرار والنمو وفرص العمل وليس بكتلة نيابية وازنة لطالما حازها وترأسّها.
أزمة المرسوم ستشكّل نقطة تحوّل في الحياة السياسية اللبنانية وستترتب عليها قواعد جديدة لإنتاج السلطة لن يُجدي معها دور إقتصادي لرئيس حكومة من هنا أو استنفار وتجييش طائفي واعتداد بالقوة من هناك، وربما تكون المكاسب السياسية التي ستحققها الإنتخابات أثمن بكثير لمن سيفوز بها من مؤتمرات باريس وروما وبروكسل.
مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات