بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الثاني 2018 12:00ص أيها الناس، اسمعوا وعوا

حجم الخط
أيها الناس، اسمعوا وعوا... خطاب تاريخي للحجاج بن يوسف الثقفي الذي عهدت إليه قيادة العراق في تلك الايام المتأججة بالنزاعات والمصادمات، فقام بين الناس خطيباً وابتدأ كلمته إليهم مهددا ومتوعدا بالقول: «إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها». 
هذا الخطاب التاريخي التهديدي الذي خاطب قوم الحجاج آنذاك، استعيد بروحه ومضمونه ومفهومه ولغته الحافلة بالتحدي واستحضار فاقع لفائض القوة وبتجاهل كامل بأن هذا الوطن مؤلف من فئات وجهات وطوائف ومذاهب عدة، وأن هذه الدولة منذ نشأتها قد اتسمت بصفات الحياة العامة الديمقراطية والتعددية والتوافقية والميثاقية، فكان من الغريب والمستهجن أن يكون خطاب السيد حسن نصرالله الأخير، موجها بهذا الاسلوب وهذا المضمون وهذا التعالي إلى كل الشعب اللبناني، بدءا برئيس جمهوريته والحزب الذي يمثل ومرورا برئيس مجلس النواب الذي وصف الوضع القائم بأنه وضع أخطر من خطير وأنه يقتضي ألا يفكر أحد بفتنة إسلامية - مسيحية أو فتنة سنية – شيعية، ووصولا إلى رئيس الحكومة المكلف الذي يتعرض لمحاولات حثيثة لتقزيم حجمه ودوره توطئة لتقزيم حجم ودور طائفته الوطني والسياسي والقومي، إضافة إلى تعرض مؤسف ومغرق في تعاليه إلى بقية أركان الوطن وزعمائهم وقادتهم السياسيين والدينيين. 
وكان طبيعيا أن يلي هذا الخطاب عالي النبرة والمتعالي على الجميع والمتحدث بلغة القمصان السود والسابع من ايار، أن يلاقي ردا مناسبا من قبل الرئيس المكلف سعد الحريري، وكان من الطبيعي ان يكون هذا الرد خطابا هادئا ورصينا، وموضوعيا، ومناقضا تماما للغة الإستفزاز والإستنفار والتحريض التي طغت على كلمة السيد حسن نصرالله بكل حدودها وأبعادها وتوجهاتها، لئن كانت هناك مقارنة يمكن اجراؤها ما بين الخطابين لا يمكن القول ان أولها قد جاء في إطار إنفعالي يستهدف الإفتعال والعرقلة والتفخيخ وهدم ما أمكن من بنية الدولة الوطنية والدستورية، والثاني جاء في إطار من البنية القوية المتكاملة والهادفة رغم مزايا القوة والصمود التي داخلتها، إلى إبقاء المجال مفتوحا قدر الإمكان على امكانية ما، لحلّ ما يقي البلاد والعباد من حال الاحتقانات والأخطار الدّاهمة التي أوصلنا إليها خطاب السيد حسن. ومزيد من المقارنة الموضوعية في هذا المجال يكون في غير محله لأنه لا مجال لمقارنة بين الخير والشر، وبين البناء والهدم، وبين هدف وطني داخلي محض وأهداف إقليمية ومذهبية تستهدف في طليعة ما تستهدف الحفاظ على مصالح الخارج، كائنا ما كانَ سوءُ النتائج الحاصلة نتيجة لذلك، على أوضاع الوطن والمواطنين اللبنانيين. 
وعودٌ إلى بدء
أيها الناس، إسمعوا وعوا... لا حكومة من دون تمثيل سنّة الثامن من آذار!! حتى إذا ما اعتبرنا أن سماحة السيد مهتم بأمرهم لانتماء معظمهم إلى حزبه وإلى النظام السوري، كان من حقنا وحق الناس جميعا أن يتساءلوا بأي حق وأي منطق تتم هذه المطالبة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهل كان المُطالِب ليقبل بمطلب مماثل يتناول فئة طائفية ومذهبية لو كانت صادرة عن أي رئيس حكومة مكلف؟ 
وهذا التخفي والتلطي من خلال استئخار الطلب حتى اللحظات الأخيرة التي دقت فيها أجراس تأليف الحكومة، فاذا بالحزب يُخرج من الطربوش ذلك الأرنب المعطل لتشكيل الحكومة، بل والمعطل قبل ذلك، لمبدأ أن تكون هناك حكومة ما تخضع للدستور وتنطلق من الميثاق، وتسعى لأن تقيل البلد من عثراته الوطنية والإجتماعية والإقتصادية وخاصة المعيشية، بعد أن باتت مناطق جموع وعائلات لبنانية، ترسو تحت أثقال العوز والفاقة وبعد أن بتنا نتخوف من أشباح الجوع التي باتت تطل برؤوسها في أوساط متعددة من هذا الوطن السعيد.  
وبالرغم من أكثر من نفي صادر عن الحزب أو سواه، بأن القضية لا علاقة لها بالخارج، وأنها مسألة «أخلاق ووفاء»، فإن التأكيدات تأتي من كل الجهات والفئات الداخلية والإقليمية والخارجية بأن ما هو  حاصل انما هو حصيلة خارجية المنشأ تستهدف الإستيلاء على كل السلطات، بدءا بالتشريعية، وقد تمكنت من ذلك من خلال المجلس النيابي بعد أن مكّنها القانون النيابي الأخير من إحداث هذا الخلل، فنالت أكثرية مصطنعة ومفبركة على قياسات أركانها وهي تسعى إلى الإمساك بسلطة الحكم من خلال السيطرة على قرارات الحكومة المقبلة في ظروف ترى أنها ستكون مرحلة حافلة بالأحداث الجسام التي قد تطاول التوجهات الإيرانية في البلاد بكافة صورها واشكالها، والمطلوب أن تكون الحكومة المقبلة مدافعا عن الحزب وتوجهاته وواقيا له من العقوبات المختلفة التي قد تكون مقبلة باتجاهه من أكثر من مصدر، المطلب الأهم للحزب على ما يبدو هو حكم مختلف بنظام مختلف، وبقيادة خاضعة إلى سيطرة بعيدة المدى والموقع، لا علاقة لها بحقيقة التوجّهات اللبنانية الصافية التي تنأى بنفسها عن الخارج وترفض ربط أوضاعها بأية أوضاع تجرها إلى مواقع الإنقياد والإرتباط بالخارج. 
وها هو الرئيس المكلف يثبت من خلال كلمته الأخيرة أنه مشبع بالروح الوطنية والميثاقية ومتشبث بأن يكون حاكما منتميا إلى دستور بلاده المرتكز على حصيلة مؤتمر الطائف، وإلى القواعد الميثاقية التي ارتضاها أهله من كل الطوائف والجهات والفئات.