بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 أيار 2022 07:04ص إذا أراد استطاع

حجم الخط
عندما يريد القطاع العام أمراً ما يستطيع تحقيقه. الدولة هي الاطار الجامع للوطن أي للأرض والشعب وتضم القطاعين العام والخاص والمستهلكين والمنتجين وما تبقّى. القطاع العام هو مجموعة مؤسسات ووزارات ومسؤولين عنها في السلطات التنفيذية والتشريعية والادارية. في لبنان الانطباع السائد هو أن القطاع العام عاجز، اذ يعشعش فيه الفساد مما يجعله غير قادر على تنفيذ أي مهمات ايجابية لمصلحة اللبنانيين. واذا نفذ أي مهمة تكون حكما وراءها مصالح خاصة سلبية ظاهرها خير وفي قلبها كل النيات السيئة التي تعطي نتائج سوداء. طبعا هذا الانطباع لم يأتِ من لا شيء وإنما من الممارسات المؤذية المزمنة على مدى عقود. هل قطاعنا العام عاجز نهائيا ولا أمل منه؟ هل يصدر فقط نتائج سلبية ولا قدرة له على التصحيح؟
هل قطاعنا العام عاجز بنيويا أم أن القرارات الجيدة الايجابية غائبة؟ هل هو غير قادر أو غير راغب في اتخاذ القرارات الصحيحة؟ القرارات السلبية والنتائج التي تبعتها لا تحص ولا تعد واللائحة طويلة ولا تتسع لها الصفحات. لكن لا بد من المرور بالأكثر سلبية أو فشلا في نتائجه بدأ من الكهرباء الى الاتصالات والبنية التحتية، وللأسف وصل الانحدار الى المس بأهم ركائز لبنان والمجتمع أي التعليم والصحة والقطاع المصرفي. لا يمكن توجيه التهم الجرمية للمسؤولين بل أقله يمكن وصف تصرفاتهم بالتقصير وسوء الادراك وعدم استباق الأمور بل عدم معالجة المشاكل قبل أن تحصل أو أقله قبل أن تتفاقم.
لبنان دولة صغيرة تحتاج الى الانفتاح مع كل الخارج كي تزدهر اقتصاديا وثقافيا. اقفال لبنان يعني المس بحيويته وقدرته على الاستمرار النوعي في كل الميادين. لبنان الدولة الصغيرة يجب أن تتكل على النوعية في كل شيء وليس على الكمية حيث تصبح الخسارة مؤكدة. قبل 1975 كانت جامعاتنا قليلة عددا لكنها مميزة في النوعية واستقبلت طلابا من كل العالم وليس من الدول العربية فقط. بعد الـ 1975 اخترنا العدد حيث اعطيت الرخص شمالا ويمينا وأصبح لدينا عشرات الجامعات مما سبب تدني المستوى لأن لا قدرة لنا كمجتمع على استيعاب عشرات الجامعات والحفاظ على المستوى العلمي المطلوب. في المدارس فقدنا الكثير من النوعية أهمها في اللغات الأجنبية، اذ أن اللغة العربية بالرغم من أهميتها لا تكفي لوحدها لايصال الابداع اللبناني الى كل العالم.
في القطاع الصحي، تكاثرت المؤسسات من حكومية وخاصة وبقي لبنان مميزا حتى وصول الأوضاع الى ما نحن عليه أي سقوط اقتصادي يدفع العاملين في القطاع وخاصة الممرضين الى الهجرة. لم تعد الأجور تكفي للاستمرار وبالتالي مستقبل القطاع الصحي صعب أي سيعتمد على مؤسسات أقل، ربما لا تقوم بكل ما هو مطلوب منها وبالنوعية التاريخية المعروفة. هيكلية القطاع الصحي ستتغير خاصة مع انهيار قطاع التأمين غير القادر على التوازن بين الأقساط والتكلفة والحلول صعبة. اللبنانيون في أكثريتهم غير قادرين على تسديد أقساط المدارس والجامعات وبالتالي العلاقة الصحية بين الايرادات والتكلفة مفقودة مما يهدد باستمرارية المؤسسات. سياسات الدعم التبذيرية الفاشلة الممارسة على مدى عقود أضرت بنا وكم كنا بحاجة الى هذه الأموال في ظروفنا الحالية الصعبة.
القطاع العام عجز أيضا على تأمين وصول المياه الى المنازل كما عن متابعة الثورة المستمرة في قطاع الاتصالات. اقفال لبنان تقنيا وعلميا وثقافيا يقضي على مستقبل أولادنا ويجعلهم ليس فقط غير قارين على النجاح في الداخل وانما أيضا غير قادرين على تسويق أنفسهم في الأسواق العالمية التنافسية. لا لزوم لخوض غمار التجارب الفاشلة في البيئة والادارة العامة والشؤون الاجتماعية وفي محاربة الفقر وتنمية المناطق. تعداد النتائج السلبية الفاشلة ليس صعبا وبالتالي يجري النقاش فقط حول تراتبية الفشل وليس على المحتوى.
هل سبب كل هذه النتائج عجز في اتخاذ القرارات وفشل في التنفيذ النوعي؟ يتبين لنا من تجربتين مهمتين حديثتين أن القطاع العام عندما يريد، يستطيع التنفيذ في أصعب المهمات. هذا يؤكد أن مصدر الفشل هو عدم الرغبة في اتخاذ القرارات الصحيحة وبالتالي عدم التنفيذ أو تنفيذ أمور سلبية مضرة بالبلد وبالجميع. نقصد بالتجربتين معركة اللقاح ضد الكورونا واجراء الانتخابات النيابية التي كان يتبارى الخبراء في تأكيدهم على أنها لن تحدث أو أن القطاع العام لا يريدها أو أنه غير قادر على اجرائها بسبب غياب الكهرباء والحبر الأزرق وعدم رغبة الموظفين في التعاون مع الحكومة وغيرها من الابداعات الفكرية الناتجة عن سؤ المعرفة أو ربما تمنيات بريئة أو غير بريئة.
في عملية اللقاح، كانت ممارسة وزارة الصحة مميزة وتدعو الى الاعجاب بفضل الوزيرين الحالي والسابق وكافة ادارات الوزارة ومؤسساتها. جميعنا أعجب بوصول الرسالات الالكترونية التي دعتنا الى التسجيل للقاح وثم الى اختيار المستشفى المناسب والتوقيت المسهل للعملية. أعجبنا عندما تم تذكيرنا بأخذ الجرعة الثانية وثم الثالثة لمن يخضع للمعايير المطلوبة والمعروفة. فعلا نجحت وزارة الصحة في اتمام المهمة ومن الضروري التنويه بالنتائج تشجيعا للاستمرارية ولمواصلة العمل بكل جدارة وشجاعة وفعالية. قرر القطاع العام اتمام المهمة ونجح. هل الصحة مختلفة عن القطاعات الأخرى أم أن القرار الصحيح والتنفيذ كانا مميزان وفي مستوى التحديات.
في الانتخابات النيابية الأخيرة، كان التشكيك كبيرا وربما أكثرية اللبنانيين كانت غير مقتنعة بأنها ستجري، واذا أجريت ستحصل حوادث تشلها أو تجعلها فرصة سيئة لنا جميعا. أجرت وزارة الداخلية العملية بالتعاون الايجابي مع وزارة الخارجية والسفارات اللبنانية والتي سمح لنا الاعلام بالتعرف على سفراء يقومون بواجباتهم على أكمل وجه ومميزين بالكفاءة. كان هنالك جدية في اتخاذ القرارات ونوعية في التنفيذ تعود الى كافة المشاركين من مرشحين ومقترعين وموظفين في كل الادارات ولا بد من التنويه بجهودهم. حتما الانتخابات لم تكن مثالية وهذا ليس حال لبنان فقط، ولنتذكر مثلا أن الرئيس ترامب لم يعترف بعد بنتائج الانتخابات الرئاسية بل يعتبر انها «سرقت» منه. في الدول النامية، من المستحيل ايجاد انتخابات مثالية، وبالتالي ما أنتجنا في لبنان يجب أن يحوذ على تقديرنا وتهنئتنا.
ما جرى يؤكد لنا أن القطاع العام قادر على انتاج الخير اذا أراد. أخيرا ومع اعتمادنا للنسبية، كنا نتمنى لو نجح القطاع العام في كل القطاعات والخدمات كما نجح في الصحة والانتخابات. لكنا عندها بوضع أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.