بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آذار 2019 12:11ص إرتدادات التصعيد الأميركي ضد حزب الله

حجم الخط
بدا بوضوح من قراءة متمعنة للبيان الذي القاه وزير الخارجية الأميركية مايكل بومبيو من امام وزارة الخارجية وبحضور الوزير جبران باسيل بأن هذا الكلام، مع كل ما حمله من مضامين وتحذيرات، لم يأتِ «بنت ساعته» بل هو بيان محضّر مسبقاً وبإتقان، وهذا ما تؤشر اليه إعادة فتح كامل حساب حزب الله عند الإدارة الأميركية بكامل اثقاله بدءاً من العودة الى الهجوم على المارينز وتدمير السفارة الأميركية عام 1983، ووصولاً الى نشاطه الإقليمي لمساعدة إيران لفرض هيمنتها على عدة دول عربية. 
لا بدّ أولاً، من التوقف على ما تضمنه البيان من تحريض للبنانيين لمواجهة حزب الله واستعادة المبادرة من أجل استكمال تجربتهم الرائدة، وذلك من خلال دعوته لهم «للتحرك بشجاعة كأمة مستقلة وفخورة، نحو الامام وعدم السماح لطموحات إيران وحزب الله المظلمة ان تقرر مستقبلكم». وباختصار كلي لقد صوّر بومبيو الحزب بأنه يمثل مصدر تهديد للمنطقة من خلال استعماله كأحد الأذرعة من أجل تحقيق السياسات الإيرانية، ولا يملك المسؤولون اللبنانيون أي حجج للدفاع عن الأدوار الإقليمية التي يضطلع بها الحزب.
لكن بعيداً عن مواقف بومبيو العدائية تجاه حزب الله وايران فقد تضمن البيان والمحادثات التي اجراها مع الرؤساء تأكيداً على دعم الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً للبنان، متفهماً أيضاً للأعباء التي يتحملها لبنان جراء وجود النازحين السوريين، مع دعوة للتفاؤل لجهة إمكانية التوصل لحل سياسي لأزمة سوريا. وكان لافتاً تفهمه لموقف لبنان حول ترسيم حدوده البرية والبحرية، مع الوعد باستكمال الوساطة الأميركية بهذا الخصوص بين لبنان وإسرائيل، مع حث السلطات اللبنانية على استثمار ثرواتهم الغازية بعد أن سبقتهم جميع دول المنطقة بعدة سنوات. 
يؤشر البيان والمحادثات التي جرت الى وجود نوايا أميركية لزيادة الضغوط وفرض عقوبات جديدة على إيران وحزب الله تحديداً، وهذا يطرح مجموعة من الأسئلة: كيف يكن أن يتعامل لبنان مع هذه العقوبات الجديدة، خصوصاً اذا ما شملت اشخاصاً وكيانات متهمة بقربها من حزب الله؟ ما هي ردود حزب الله للحد من هذه العقوبات او منع تنفيذها في ظل هشاشة الوضع السياسي الراهن وبقاء سياسة «النأي بالنفس» حبراً على ورق؟ ما هو تقييم القيادات اللبنانية لقدرة لبنان للحفاظ على التماسك الحكومي ومواجهة الضغوط المزدوجة من قبل اميركا وحزب الله؟ وكيف نحمي المصارف اللبنانية؟ اين أصبح مشروع الحوار الوطني لوضع استراتيجية دفاعية، تدعم الموقف اللبناني في مواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية المرتقبة؟
في جميع الأحوال لا يمكن للبنان تجاهل تحذيرات الوزير الأميركي المباشرة في ما يعود لدور حزب الله كذراع للحرس الثوري الإيراني وكمنظمة مصنفة إرهابية من قبل واشنطن منذ ما يزيد على عقدين. لبنان تحت المجهر وليس لديه ما يمكن أن يعوّضه خسارة الدعم السياسي والأمني والاقتصادي الأميركي والغربي، خصوصاً بعد ان تبنت بريطانيا التصنيف الأميركي لحزب الله كمنظمة إرهابية. 
سيترتب على زيارة بومبيو ارتدادات في المستقبل المنظور إذا لم تبادر السلطة في لبنان الى اتخاذ إجراءات تحمي لبنان من مفاعيل سياسة تشديد العقوبات الأميركية على حزب الله وإيران. ولعل من أبرز الخطوات التي يمكن أن تتخذها السلطة الدعوة لمناقشة استراتيجية دفاعية تؤمن استعادة الدولة لقرار السلم والحرب، بالإضافة الى فتح حوار مع قيادة حزب الله لاقناعه بالانكفاء عن العمل في مسارح عمليات عربية عديدة، دعماً لسياسة ايران وطموحاتها الإقليمية.
اكتب هذا الكلام مستبقاً ما سيدلي به السيد نصر الله من تصريحات ومواقف يتناول فيها زيارة بومبيو وما حملته من تحذيرات للبنان، ومع ادراكي الكامل بأن ردود الأمين العام لحزب الله وتنديده الشديد بسياسة اميركا المنحازة كلياً الى جانب إسرائيل، لن تؤمن المناعة والقوة التي يحتاجها البلد لحماية امنه ومصالحه في ظل هذه الهجمة المتمادية والشرسة التي تشنها اميركا ضد إيران وأذرعتها العسكرية. 
لا بد أن يدرك الرئيس ميشال عون وحلفاؤه في 8 آذار بأن زيارة موسكو، وما يمكن أن تحمله من وعود روسية بمساعدة لبنان والتخفيف من الاخطار التي يواجهها اسرائيلياً او جراء اثقال وجود النازحين السوريين على ارضه لن تخفف عنه ما يمكن أن يواجهه من ضغوط أميركية بسبب تقصيره او عجزه عن ضبط أنشطة حليفه حزب الله على المستويين الداخلي والإقليمي.
لا بدّ في النهاية من تحذير اللبنانيين الذي هم في موقع خصومة مع حزب الله على خلفية سياساته الإيرانية، او الموالين للولايات المتحدة من مغبة الاعتقاد بأن موعد تصفية الحسابات القديمة والجديدة بين واشنطن والحزب قد اقتربت وستكون حاسمة في ظل المتغيرات الجارية ،ويبقى من الضروري تحذيرهم من ركوب المغامرة الخطرة والتي ينطبق عليها قول كيسنجر الشهير «من الخطورة أن تكون عدواً للولايات المتحدة، ولكنه خيار مميت ان تكون صديقاً لها»، لكن وفي جميع الحوال يمكن لطرفي المعادلة السياسية في لبنان ان يطمئنوا بان اميركا ليست متساهلة في ترك لبنان ينحرف للدخول في دائرة النفوذ الإيراني، كما أنها غير راغبة في دفعه نحو فتنة جديدة، وذلك انطلاقاً من قناعتها الراسخة باستمرارية دور لبنان الإقليمي كواجهة للحريات والتعددية وهذا ما أكده الوزير بومبيو سواء بالتوسط لحل خلاف الحدود البحرية مع إسرائيل وعبر تأكيد استمرار الدعم العسكري والاقتصادي للبنان.