بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2019 12:36ص إرتفاع مخاطر الحرب وإيران الخاسر الأكبر

حجم الخط
بالرغم من التصريحات الصادرة عن المسؤولين في واشنطن وطهران والتي تؤكد على تفادي الانجرار إلى حرب فإن الأحداث المتتالية تؤشر إلى مزيد من التصعيد في لهجة ومضمون التهديدات المتبادلة والتي تترافق مع مزيد من الحشود والاستعدادات العسكرية الغربية في منطقة الخليج. مع عدم توافر النوايا لدى أي من الطرفين الأميركي والإيراني بدفع الطرف الآخر إلى تجاوز الخطوط الحمراء، إلا أن أجواء التصعيد الناتجة عن استهداف الملاحة وناقلات النفط حول مضيق هرموز، وفي ظل استمرار انسداد كل قنوات الاتصال بين طهران وواشنطن، وخصوصاً بين القيادات العسكرية، فإنه بات من الخطورة بمكان أن يتسبب أي سوء قراءة لنوايا الطرف الآخر أو وقوع أي حادث عسكري باندلاع عمليات عسكرية واسعة.

في الواقع، لا تشكل القوة البحرية والجوية التي أرسلتها واشطن إلى المنطقة أي مؤشر لاستعدادات أميركية للدخول في حرب ضد إيران، وإن مبررات وجودها تعود لكونها قوة رادعة تحول دون قيام إيران باعتداءات ضد التواجد الأميركي في المنطقة، وخصوصاً في العراق. ولكن السلطات الإيرانية قد رأت في هذا الحشد تحدياً ومؤشراً على نيّة أميركية لتشديد الحصار النفطي والاقتصادي ضدها، وبالتالي لمنعها من تصدير أية كميات من نفطها إلى العالم.

يبدو بأن هذه القراءة الإيرانية للنوايا الأميركية، كانت السبب المباشر للهجمات المتتالية التي شهدتها المنطقة ، والتي بدأت بشن هجمات ضد أربع ناقلات نفط قبالة ميناء الفجيرة، تلتها الهجمات ضد المنشآت النفطية السعودية، بالإضافة إلى الهجوم الأخير ضد ناقلتين في خليج عمان.

لم تتوافر بعد المعلومات «المؤكدة» التي تشير إلى مسؤولية إيران عن الهجمات المنفذة، وبالتالي اتهامها بتجاوز الخطوط الحمراء والتحضير للاقتصاص منها، وأن ذلك سيشجعها على شن المزيد من الهجمات ضد ناقلات النفط أو ضد مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة. هذا الاحتمال دفع أميركا ومعها بريطانيا إلى وضع خطط عسكرية جديدة لحماية الملاحة في مضيق «هرمز» والمناطق المحيطة به.

يبدو من مواقف الطرفين الأميركي والإيراني بأن الأمور تتبع مساراً تصعيدياً، قد يقود لاستعدادات وتحركات عسكرية محدودة، أو موسعة، وأن الخطورة  تكمن في عدم توافر أية قنوات اتصالات أو آليات لضبط التصعيد والحؤول بالتالي دون الانجرار إلى حرب لا يريدها الطرفان.

يبدو بأن الرئيس ترامب من خلال طلبه إلى رئيس الوزراء الياباني لفتح قنوات للحوار مع إيران، إنما يحاول تفادي الانزلاق إلى حرب، ولكن ذلك لا يمنع الإبقاء على خيار الحرب على الطاولة. وبالرغم من السلوكية الحذرة التي يتبعها ترامب، فقد سبق له ووافق على كل الخطوات التي قررها «الصقور» في إدارته من أمثال وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، والتي وضعت الولايات المتحدة وإيران على حافة المواجهة العسكرية. وتزداد خطورة حدوث مثل هذه المواجهة في ظل الإجراءات العسكرية التي يجري إعدادها لحماية ناقلات النفط ومسالك النقل البحري في منطقة الخليج، مع استعداد بريطانيا لتكون شريكاً عسكرياً فاعلاً في هذه الإجراءات. هذا بالإضافة إلى وجود تمنيات سعودية بضرورة الرد على الهجمات الإيرانية المتكررة بعميلة عسكرية «جراحية» ضد إيران.

يبدو بأن هناك قناعة مشتركة بين صقور الإدارة والقيادة السعودية بأن مثل هذه العملية هي ضرورية وممكنة، ولن تترتب عليها اية أثمان.

لكن وبالرغم من عدم توافر القابلية لدى ترامب للقيام بذلك، فإن انتشار القوى الأميركية على مقربة من الشواطئ الإيرانية، وفي ظل أجواء التصعيد الراهنة،ومع ارتفاع مستوى الشكوك الإيرانية تجاه النوايا الأميركية، فإن كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد بإمكانية حصول ردود فعل إيرانية كبيرة على أي حادث طارئ يحدث بين الطرفين.

لا يؤشر التواجد العسكري الأميركي الراهن في منطقة الشرق الأوسط إلى وجود نوايا أميركية للدخول في حرب مع إيران. لو أرادت أميركا الحرب فان ذلك يستوجب التحضير لها يبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً لتكون حاسمة ومضمونة النتائج، مع تأكيدالحرص على عدم الانجرار إلى حرب طويلة لا يريدها المجتمع الأميركي بعد تجربته المكلفة جداً من عملية غزو العراق عام 2003.

في نفس السياق لا يمكن لإيران الاستمرار في هجماتها «المموهة» ضد ناقلات النفط أو ضد الأهداف الحيوية داخل المملكة العربية السعودية (بواسطة عملائها)، دون توقع حصول ردود فعل ضدها، وهي تدرك جيدًا بأن تلك الهجمات ستقود عاجلاً أو آجلاً إلى مواجهات عسكرية، لن تكون لصالحها في ظل الخلل القائم في موازين القوى الحالية. إن البديل العملي للسياسات التصعيدية الراهنة، يكمن في قبول إيران بالعودة إلى الوسائل الدبلوماسية لاحتواء الأزمة الراهنة، والدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة وحلفائها، من أجل إيجاد مخارج لمختلف المسائل وخصوصًا ما يعود منها لبرنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي، وتغيير سلوكياتها تجاه دول المنطقة. 

في المقابل لا بد أن تدرك إدارة ترامب أن الإستمرار في سياسة الضغط «القصوى «على إيران لدفعها للإستسلام لن ينجح، وبأنه لا بدّ أن تتسم سياستها بالمرونة وتوفّر الآليات الدبلوماسية اللازمة لتغيير السلوكية الإيرانية لقاء وجود ضمانات بتحقيق مكاسب حقيقية ودائمة. 

في النهاية لا بدّ من أن يدرك الطرفان الأميركي والإيراني مخاطر الإستمرار في سياسة التصعيد الراهنة، والتي ستقود في نهاية المطاف إلى حرب لن تكون في مصلحة أي منهما، كما أنها ستكون مدمّرة لمعظم دول الشرق الأوسط، ولكن مع التأكيد بأن إيران ستكون الخاسر الأكبر. 



العميد الركن نزار عبدالقادر