بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 شباط 2023 12:30ص إغتيال للشعب والوطن

حجم الخط
لا ينتظر اللبنانيون يوم ١٤ شباط ليتذكّروا الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فهو موجود في ذاكرتهم ووجدانهم، وله مكانة كبيرة في قلوبهم وعقولهم، ويفتقدون مبادراته ورؤيته في هذه الأيام الحالكة التي تُنغّص حياتهم.
لا ينسى اللبنانيون أن السنوات الذهبية في إعادة الإعمار وترسيخ الإستقرار وتحقيق الإزدهار، إقتصرت على فترات حكومات الرئيس الشهيد، الذي إستطاع أن يُعيد لبنان إلى الخريطة العالمية بسرعة قياسية، وأعاد العرب إلى لبنان بخطوات أخوية، وإستعاد الثقة بالوطن والدولة، بعدما خيّل لكثيرين أن وطن الصيغة والرسالة غرق في مستنقعات الحرب البغيضة، وأن الدولة سقطت بحراب الميليشيات.
كانت قراراته وخطواته وكأنها تُسابق الزمن، وتحاول أن تسبق يد الغدر والإجرام.
أطلق ورشة إعمار وسط بيروت ليُعيد لسيدة العواصم بهجتها، ويجدد دورها الحاضن لكل اللبنانيين ومحور عيشهم الدائم، ويحفظ مكانتها «منارة إشعاع فكري وثقافي وعلمي»، وجسر تواصل بين الشرق والغرب.
المطار الجديد أصبح الواجهة الحديثة للبلد الناهض من الركام، رغم كل الإعتراضات على بناء أحدث مرفق جوي في تلك الفترة. إستكمل الأوتوسترادات التي تصل المناطق بقلب الوطن، والتي كانت معطلة منذ عقود من الزمن، وشق الأنفاق ونفّذ مخططات تحديث الطرقات في العاصمة ومداخلها، الجنوبية والشرقية والشمالية، والتي كانت نائمة في الأدراج، وأنجز توسعة مرفأ بيروت، وعمل على تعزيز مرفأ الفيحاء، وإعادة الروح إلى مباني معرضها الدولي، ووضع الخطط المناسبة لتحقيق الإنماء المتوازن في عكار وبعلبك ــ الهرمل، وبقية المناطق المهملة في عهود الإستقلال.
تصدّى للإعتداءات الإسرائيلية بديبلوماسية ناشطة وخلاّقة، وإستطاع أن يحقق للمقاومة بالمفاوضات ما كانت تسعى لتحقيقه في العمل العسكري، حيث نص «تفاهم نيسان» على أول إعتراف دولي بحق المقاومة، وعلى حماية القرى الجنوبية والأهداف المدنية من العمليات العسكرية والغارات العدوانية، التي كان العدو الاسرائيلي يشنها على بلدات المنطقة، بحجة ضرب قواعد المقاومة.
إستشعر رياح الفتن باكراً إثر أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ وضرب برجيْ التجارة في نيويورك، والتي سرعان ما أعقبها الغزو الأميركي للعراق، فسارع، بعد إعلان معارضته للحرب على العراق، إلى العمل على تعزيز مناعة الجسم الإسلامي من الفتنة السنّية ــ الشيعية، التي كان يخطط لها الأميركيون، عبر التواصل مع رئيس وزراء العراق اياد علاوي، ومن خلال اللقاءات المباشرة مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في بيروت، ورئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، واضعاً الخلافات حول بعض الملفات الداخلية جانباً، ومركزاً على أولويات وأد الفتنة في المهد.
بقي رفيق الحريري حارس الصيغة اللبنانية وتوازناتها الوطنية حتى الرمق الأخير. وحرص دوماً على تثبيت وتعزيز قواعد الشراكة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين، بغض النظر عن أرقام الديموغرافيا المتغيّرة سلباً في الواقع المسيحي، فرفع شعار «وقفناالعد»، لتأكيد تمسكه بمبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكانت تركيبة المجلس البلدي في بيروت هي المثل والمثال في هذا النهج الوطني العريق.
*****
يفتقد اللبنانيون اليوم ، وكل يوم في هذه السنوات العجاف، لرفيق الحريري، راعي النهضة العمرانية والإقتصادية التي تم إجهاضها قبل إستكمالها، لأنهم يفتقدون إلى رجال الدولة الذين يتصرفون على مستوى الأخطار التي تتهدَّد البلد، ويعملون وفق خطة رؤيوية، ويستطيعون حيازة ثقة الداخل والخارج، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة، لإنقاذ الوطن مما يتخبط به من أزمات وإنهيارات، يكتفي أهل الحل والربط هذه الأيام بالتفرج عليها، دون تكليف أنفسهم عناء البحث عن الحلول المناسبة قبل فوات الأوان.
والأنكى من كل ذلك، أن أصحاب المصائب وجماعة السلطة الفاشلة، لا يتورعون عن تحميل مسؤولية فشلهم وعجزهم وتغطية فسادهم للمرحلة الحريرية، متنكرين لوقائع لا يمكن القفز فوقها، حيث كانت الكهرباء موجودة، والسيولة متوافرة، وحركة المصارف ناشطة، والتجارة مزدهرة، والمواسم السياحية في أوجِّها، والناس تعيش في حالة من البحبوحة والإستقرار.
وإذا راقبنا تطورات الوضع في لبنان بعد إغتيال الرئيس الشهيد، يظهر بوضوح المسار الانحداري الذي هيمن على البلد، وسنوات عدم الإستقرار التي نهشت منجزات المرحلة الحريرية، وجمدت مخططات النمو والإعمار، وأعادت البلد إلى العصر الحجري، حيث لا كهرباء ولا مياه ولا إتصالات، بل ولا دولة قادرة على فرض سلطة القانون، فكان أن سقطت البلاد والعباد إلى جهنم وبئس هذا المصير.
١٤ شباط ٢٠٠٥ ليس يوم إغتيال رفيق الحريري..، هو إغتيال للشعب والوطن في ذلك اليوم الأسود.