بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الثاني 2022 05:32م إنتخاب رئيس .. وعهد ميلادي جديد

حجم الخط
ان تبسيط القضايا المعقدة يؤدي الى تسطح الوعي ويحدث اختلالا بالمعايير، ومجتمعاتنا شهدت على مدى عقود طويلة عمليات تبسيط مكثفة كانت الغاية منها تبرير العجز والتخلف والاستبداد مما أدى الى تجويف المجتمعات وعدم الاستفادة من الدروس والتجارب العميقة التي شهدتها المنطقة من حروب واحتلالات وتداخل ثقافي وحضاري، وتسطح الوعي ادى الى عدم القدرة على متابعة التحولات والمتغيرات السياسية الدولية والاقليمية على الرغم من تحكمها بمصير شعوب منطقتنا، وتلك التحولات البالغة الدقة والغموض ولا يمكن ادراكها عند وقوعها، لانها تعتبر من اسرار الدول الكبرى واسس هيمنتها وادارتها لمصالحها وشركائها وحلفائها، حيث يتم الكشف عن تلك الاسرار بعد انتهاء مفعولها وبطلان استخدامها.

كثيرة هي الوقائع العميقة والغامضة التي نشهد نهاياتها اليوم ولم ندركها عند بدايتها، ومنها العلاقات بين اميركا وايران وتداخلها العميق منذ الحرب الباردة واعتماد الاديان في مواجهة الشيوعية، وحروب الخليج وايران غيت الى عاصفة الصحراء الاميركية وتحرير الكويت ١٩٩١، والتطور الاهم جاء ما بعد احداث ١١ ايلول ٢٠٠١ في اميركا الشبيهة بالهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر عام ١٩٤١ حيث ضربت هيبة الدولة الاميركية واجبرت على الانخراط في الحرب العالمية الثانية، واحداث ١١ ايلول ادت الى احتلال اميركا لافغانستان ٢٠٠١ عبر الأجواء الايرانية لاسباب انسانية ثم الى احتلال العراق ٢٠٠٣، حيث اصبحت خاصرتي اميركا وحلفائها من الغرب والشرق بيد السكين الايرانية مما اجبر اميركا على ان تفتح ابواب العالم العربي امام ايران.

عاشت المنطقة على مدى العشرين عام الماضية مع الاغتيالات وخروج سوريا من لبنان والحروب والنزعات والفوضى وابتكار الخصومات نتيجة تورط اميركا باحتلال افغانستان وحاجتها الدائمة الى ايران، وعكس الاعتقاد السائد في المنطقة بان ايران واميركا خصمان متحاربان لان ايران كانت ضرورة استراتيجية لوجود اميركا في افغانستان والعراق، وهذا ما اكده الانسحاب الاميركي من العراق بعد اتفاق اربيل في ٣٠ كانون اول ٢٠١٠ لمصلحة ايران وبالتزامن مع فوضى الربيع العربي بالتكافل والتضامن بين إيران وإدارة الرئيس باراك اوباما والذي انهى ولايته الثانية بتوقيع الاتفاق النووي مع ايران ٢٠١٥، لتأكيد عمق العلاقة الايرانية الاميركية وتعقيداتها الاستراتيجية والتي جرى تبسيطها من السياسيين الهواة في المنطقة ولبنان.

يوم ٣٠ آب ٢٠٢١ انسحبت القوات الاميركية من افغانستان وتركت خلفها ثمانين مليار دولار من الأسلحة الحديثة والمتطورة لمصلحة طالبان، مما انهى تنعم ايران بوجود اميركا على حدودها وأدخلها في مرحلة من المراجعات الصعبة والعميقة وبإعادة النظر بتاثيراتها على دول المنطقة وخصوصا في العراق ولبنان، ومع نجاح اميركا في اعادة التموضع في شرق المتوسط عبر عملية الترسيم المائي بين لبنان واسرائيل والذي عكس تاثيره السريع على عملية عودة الانتظام في العراق، في حين ان مكونات السلطة في لبنان التي تعاني من التبسيط والتسطح لا تزال تعيش على اوهام ما قبل الانسحاب الاميركي من أفغانستان وتتوهم بان نعيم الشغور الرئاسي قد يطول اشهر او سنوات، في حين ان كل المؤشرات تؤكد دخول المنطقة مرحلة عميقة من التحولات المكثفة والغير مألوفة او متوقعة وقد يشهد لبنان العديد من المبادرات والزيارات الرفيعة والرئاسية والتي قد تؤدي الى انتخاب رئيس جمهورية و عهد ميلادي جديد، ولا مانع من التفاؤل من اجل أنقياء لبنان.