تأتي ذكرى استقلال لبنان ٧٩ واللبنانيين يشعرون بالمرارة والخجل مما اصبحت عليه حال الحياة العامة والخاصة في لبنان، حيث تتعاظم الانتدابات والوصايات واصبح الاستتباع محل تباهي واعتزاز وتنافس لدى الكبار والصغار، متناسين هموم اللبنانيين الذين فقدوا مدخراتهم وتحويلات ابنائهم في بلاد الاغتراب، فيما يتلهى ممثلي الامة بالصغائر والاستعراضات البالغة الخفة متناسين اوجاع اللبنانيين حيث لا كهرباء ولا ماء ولا تعليم ولا طبابة ولا غذاء ولا تأمينات ولا اشقاء او اصدقاء، واصبح لبنان متروكا لاوهام مغامرات المنظمات الدولية وادواتها اللبنانية البالغة الفساد والجهل والادعاء حيث يتم هدر مئات الملايين من الدولات على الرواتب والمحسوبيات والتنفيعات وكتابة التقارير الجوفاء.
تاتي ذكرى استقلال لبنان ٧٩ والمجلس النيابي يعاني من العجز والترهل بعد اربعة اشهر فقط من انتخابه وقد اصبح اشبه بمجلس نواب ١٩٧٢ الذي مدد له عشرين عاما، والاكثر مرارة هو ما يتابعه اللبنانيون من تقاطر وتعاظم الوصايات والانتدابات الاقليمية والدولية، بحيث لم نعد نعرف عن اية دولة يجب ان يستقل لبنان، لان كل الدول الكبرى والصغرى والمانحة والصناديق المتنوعة اصبحت تمارس وصايتها في السر والعلن، بعد أن حولت كل لبنان الى مخيمات لجوء ونزوح لابنائه وبتواطؤ وقح من مكونات النظام الطائفي على شعب لبنان.
تاتي ذكرى استقلال لبنان ٧٩ والامم المتحدة تتباهى بفشلها في تنفيذ كل قرارتها في لبنان والمنطقة، حيث تجاوزت اسرائيل ميثاق الامم المتحدة واحتلت اراضي الغير بالقوة وانتهكت شرعة حقوق الانسان بالتهجير والابادة الجماعية والتمييز العنصري وبقيت على مدى خمسة وسبعين عاما خارج المساءلة والمحاسبة وحولت بلاد الشام الى مناطق مقطعة الاوصال وشعوب نزاع واقتتال واصبحت الخصوصيات الفئوية تتقدم على قواعد الوحدة الوطنية والحريات الفردية مع ظاهرة تعميم الاستبداد وتفكك المجتمعات بعد ان تحولت إسرائيل الاستيطانية العنصرية من عدو الى مثل أعلى للطوائف والمذاهب والاثنيات الدينية والعرقية في المجتمعات المشرقية الحزينة والمفككة باشراف مختبرات الفوضى الخلاقة و الفتاكة.
تاتي ذكرى استقلال لبنان ٧٩ وقد غادر لبنان معظم كفاءاته العلمية والابداعية والايادي المهنية الخلاقة، واصبح غاية كل أسرة لبنانية البحث عن وطن وهوية جديدة بعد ان دفعوا الغالي والرخيص في الدفاع عن وطنهم الحبيب لبنان، الذي يعاني من استبداد حفنة من ابنائه الطغاة الذين يستقوون بالخارج على شركاء الداخل و يقدمون المغانم على الانجازات والمصالح الشخصية على المصلحة العامة والولاءات الخارجية على الولاءات الوطنية ويتباهون بتضخم الثروات الشخصية وافقار الناس والتمادي بإعتماد قواعد التخلف والتعصب على حساب مفاهيم التقدم والانفتاح التي كانت ميزة لبنان الحرية والسيادة والاستقلال.
تاتي ذكرى الاستقلال ٧٩ بعد سنوات طوال من العذابات والتضحيات بخيرة شباب لبنان، وتحمل اعباء كل قضايا المنطقة من الثورات العربية الى الاحلاف الاقليمية والوحدة العربية الى المقاومات الفلسطينية والمسيحية والوصاية السورية والاحتلالات الاسرائيلية والمقاومة الاسلامية والتدخلات الايرانية والقوات الدولية ، على حساب لبنان الحريات الفكرية والاعلامية والابداعية وحماية الخصوصيات والتعددية الثقافية، و بيروت مدرسة وجامعة ومستشفى المنطقة ومطبعتها ومنبرها وملاذ نخبها، وفضاء الحريات الفردية والفكرية والتكونات الحزبية الرأسمالية والشيوعية والقومية والوطنية والطائفية، وكل تلك الميزات اللبنانية الاستثنائية قد ابيدت بفعل اوهام وخرافات صداقات لبنان من دول العالم والمحيط والجوار الذين تمادوا بوقاحة الاعتداء على خصوصية التجربة الوطنية اللبنانية ونجاحاتها المميزة ،
تأتي ذكرى استقلال لبنان ٧٩ وعموم اللبنانيين على قناعة تامة بأن (اللي استحوا ماتوا ) وحفظ الله لبنان.