بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 نيسان 2021 12:02ص الأسعار وحرية الأسواق

حجم الخط
مرَّ الاقتصاد، في العلوم والواقع، بفترات مختلفة طويلة ومتناقضة بدأ من المؤسس «أدام سميث» قائد المدرسة الحرة الى كارل ماركس مؤسس المدرسة الاشتراكية بمعناها العميق، علما ان العديد من الاقتصاديين الاشتراكيين سبقوه.  في المدرسة الحرة لا يمكن الفوز على السوق أي ان مبدأ السعر الحر هو الأساس، ولا يمكن بشكل دائم النجاح في التوقعات.  الحظ ممكن لكن بالصدفة وليس بشكل مستمر.  تشجع المدرسة الحرة على وجود قوانين تحافظ على الأخلاق وحسن التعامل وعدم استغلال المواطن والمستهلك.  في هذه المدرسة، عوامل السوق تسيطر على النتائج الاقتصادية وهنالك دور سياسي أمني وأخلاقي للقطاع العام.

أما في المدرسة الاشتراكية أو الاقتصاد الموجه، لا يمكن وضع الثقة في عوامل السوق وفي الأسعار تحديدا.  لا بد من تدخل الدولة للتصحيح وذلك حفاظا على التنمية والعدالة ولمحاربة الفقر.  كما أن حرية التجارة، وان تكن مفيدة في المبدأ فهي ليست في مصلحة الفقراء وبالتالي يجب وضع بعض الحمايات أو التعريفات الجمركية.  الرقابة ضرورية لتحركات رؤوس الأموال التي يمكن أن تضر بالدول النامية.  هنالك عموما دور كبير للقطاع العام في التوزيع والتقييم وأحيانا التصميم.  تجربة الاتحاد السوفياتي واضحة في شأن تقرير الانتاج والاستهلاك من المركز أي العاصمة.  أظهرت التجارب على مدى عقود استحالة النجاح في ارضاء المواطنين من ناحيتي النوعية والكمية.  لم ينفجر الاتحاد السوفياتي لأسباب سياسية فقط، بل كان للنمو الاقتصادي الضعيف حصة كبيرة في النتائج.

من المهم التمييز بين العولمة والرأسمالية كما قال الاقتصادي «ديباك لال».  العولمة هي المبدأ والرأسمالية هي المؤسسات والقوانين.  في القرن التاسع عشر تحقق أول نظام اقتصادي حر حديث في بريطانيا بعد الغاء «قانون الذرة» في سنة 1846.  وضع هذا القانون العديد من القيود على استيراد الحبوب الى بريطانيا، فارتفعت الأسعار وأضرت بالمواطن.  الغاؤه ساهم في تحقيق الحريات الاقتصادية في التجارة الدولية.  في تلك الفترة، تم الاعتراف بالملكية الفردية دوليا مما سمح بتنشيط الاستثمارات وتحقيق النمو.  لم يعش النظام بشكله القديم طويلا بسبب الفوضى وسيطرة الملكيات الكبيرة، وبالتالي لم تكن النتائج الاقتصادية جيدة.  توسعت أيضا الفجوات المادية الداخلية مما سهل انتشار الاشتراكية بدأ من أوروبا.

مع بناء الاشتراكية في روسيا والعديد من الدول الأوروبية، تحقق في نفس الوقت نظام رأسمالي جديد منافس مبني على حرية السوق مع التشدد بشأن الأخلاق وحقوق الانسان والفقراء والديموقراطية.  في هذه الفترة وجدت المنظمات غير الحكومية العاملة في المجالات الاجتماعية والانسانية والفكرية.  في هذه الفترة أيضا، بدأ الاهتمام بالبيئة وبمحاربة التلوث وبالتالي بدأ التفكير بأحزاب ومنظمات الخضر لتحقيق نظافة الهواء والمياه وبالتالي الحياة.  لا شك أن تعثر الاشتراكية ساهم في نضوج النظام الرأسمالي الجديد الذي أصبح واعيا للضعف في بعض مبادئه كما في عمليات التطبيق التي لم تكن في العديد من الأحيان موفقة.

في بعض الدول العربية، اعتمدت الاشتراكية كسوريا والجزائر والعراق ولم تكن النتائج مريحة للمواطن بسبب سؤ التطبيق كما بسبب انتشار الفساد وغياب الديموقراطية.  لذا يعتمد العالم العربي اليوم النظام الاقتصادي الحر بأشكال مختلفة مع احترام الملكية الفردية والمنافسة في الأسواق، لكن مع الأسف تدخل القطاع العام في الاقتصاد يبقى كبيرا.  في لبنان اعتمد النظام الحر منذ البداية لكن انتشار الفساد وغياب المحاسبة أعطى النتائج السيئة التي نعاني منها.  تصحيح الأوضاع في لبنان يفرض اصدار قوانين حديثة وتطبيقها. التصحيح يرتكز على ممارسات جديدة ليس فقط في السياسة والادارة، وانما أيضا في الاقتصاد حماية للمنافسة وضربا للاحتكارات التي تسيء للمواطن وحقوقه.  لبنان يعاني من الفوضى المزمنة بالاضافة الى المشاكل الحالية المتنوعة.

الذي يدعو للعجب اليوم هو أن زعيمة الرأسمالية في العالم أي الولايات المتحدة حاولت الانعزال مع ترامب وتعود للانفتاح من جديد مع بايدن.  أميركا القائدة خرجت من اتفاقية المناخ وأوقفت دعمها لمنظمة الصحة العالمية وكادت أن تخرج من منظمة التجارة العالمية وغيرها.  وجود سيدة من نيجيريا على رأس منظمة التجارة يطمئن ليس فقط بسبب الجنسية، وانما أيضا بسبب الكفاءة المثبتة عبر عقود من العمل في المنظمات الدولية.  من ناحية أخرى، أظهرت الهند وفي انتخاباتها الأخيرة توجهها الواضح نحو الانفتاح والحريات الاقتصادية.  هكذا انقلبت المعادلات مما يشير الى صعوبة معالجة الأوضاع المتعثرة في كل المجالات.  لا شك أن الصين والهند يضعان الكثير من القيود التجارية بهدف المفاوضة مع الخارج لتحسين الشروط.  هنالك اليوم دور كبير للمنظمات الدولية بدأ من البنك الدولي الى الصندوق والمنظمات كالصحة والتجارة وغيرها.  ربطت الكورونا العالم بعضه ببعض ولا خلاص الا بتعاون الجميع.

الحرية الاقتصادية عموما موجودة اليوم وتنعكس على البورصات والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن تحقيق الأرباح في السوق مرتكزين على أفضليات معينة أو على معلومات أدق؟  هل يمكن الفوز على السوق بشكل مستمر؟  في بداية كل عام وأحيانا كل شهر، يحاول المتخصصون في الاستثمارات القيام بالتوقعات تجاه الشركات أو القطاعات أو الأدوات التي ستكون مربحة.  يرتكزون على معلومات الماضي كما على دراساتهم للأوضاع الحالية لغاية النصح للجميع أو للزبائن.  هل من الممكن الفوز على السوق أي القيام بالتوقعات الصحيحة وبالتالي تحقيق أرباح كبيرة؟  يمكن للمتخصص أن يربح على السوق اذا حالفه الحظ، لكن هذه نتيجة استثنائية.

الخبير «مارتن فريدسون» يدرس في كتابه أسباب صعود الأسواق في القرن الماضي ليبني نصائح بشأن المستقبل.  درس سنوات عشرة ارتفع خلالها مؤشر السوق بنسب عالية بدأ من 1933 وحتى 1995.  في سنة 1933 مثلا، ارتفع مؤشر بورصة نيويورك 54% كما ارتفع 53% في سنة 1954، وتعتبر هذه أرقام سنوية مرتفعة جدا.  تحقيقها مجددا ليس بالأمر السهل.  درس كل سنة بدقة ووضع خمس مزايا مشتركة يمكن البناء عليها لتحقيق الأرباح في المستقبل وهي توقعات أرباح الشركات، العوامل النفسية، تطور الأسواق في السنوات السابقة، تحركات الأسواق وسهولة الحصول على قروض للاستثمار.  من الصعب جدا ايجاد توصيات مؤكدة مشتركة لكن المنطق يقول انه لتحقيق الأرباح في البورصات يجب متابعة التغييرات المهمة والمفاجئة في السياسات العامة خاصة النقدية.  هذه التغييرات تحصل أحيانا ضد المنطق لمواجهة مشكلة آنية، وبالتالي هي مهمة جدا خاصة في تأثيرها على السوق.  لا شك أن المتابعة والخبرة تبقى الأساس للفوز عندما تأتي الفرصة المناسبة.