بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 أيلول 2019 12:29ص الإنتفاضة تأخّرت... ولكنها إنطلقت!

حجم الخط
الإنتفاضة الشعبية العفوية التي تنقلت بين مختلف المناطق ومعظم محاور العاصمة أمس، جسّدت حالة السخط والغضب المتفجر في صفوف اللبنانيين الذين أوصلتهم الطبقة الحاكمة إلى حافة الإفلاس، في بلد كان حتى الأمس القريب مضرب مثل في إزدهاره و«معجزته الإقتصادية».

 حركات الإحتجاج والرفض وقطع الطرقات تجاوزت الحواجز الطائفية المصطنعة، وضربت التحفظات والحسابات الحزبية، وجمعت الناس تحت مظلة الفقر والمعاناة، ووحدت صوتهم ضد الفساد وسارقي أموال الدولة، والمتلاعبين بلقمة المواطنين الغلابى، الذين إنخدعوا بالوعود البراقة، والخطابات الرنانة، وسلموا رقابهم لتجار الطائفية والزبائنية، وسماسرة الصفقات المشبوهة، والمشاريع الوهمية.

 كان لا بد من ردود فعل شعبية على هذا الإنحدار المخيف في إقتصاد البلد وماليته العامة، والذي عجزت الطبقة الحاكمة عن وقفه قبل وصوله إلى مهاوي الإنهيار، بكل ما يحمله من أخطار تهدد اللبنانيين في لقمة عيشهم، وفي مصير أطفالهم وعائلاتهم، فيما أصحاب الشأن لاهون في خلافاتهم ومنافساتهم على كعكة النفوذ والسلطة.

 مسلسل الأزمات التي يتخبط فيها البلد كشف إفلاس أهل القرار، وعدم درايتهم أو خبرتهم، في إدارة هذه المرحلة الصعبة، وإتخاذ الإجراءات الضرورية للإيفاء بتعهدات مؤتمر سيدر الإصلاحية، وإستعادة الثقة المفقودة، داخلياً وخارجياً، لتفادي الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور من تدهور يُنذر بإنهيار مالي وإقتصادي محتوم، في حال بقيت المعالجات الجدية والعاجلة بعيدة عن التنفيذ.

 لقد راهنت الطبقة السياسية على تخدير اللبنانيين بالشعارات اللماعة مثل الإصلاح والتغيير والحكم القوي، فضلاً عن المضي بعيداً في لعبة شد العصب الطائفي والمناطقي في خطاب شعبوي ثبت بأن ضرره أكبر من نفعه بكثير، وتركت إدارة البلد سياسياً وإقتصادياً لأكلة الجبنة الذين غرقوا في الفساد الذي أبعدهم عن نبض الناس، وأهملوا واجبات الإصلاح وإسترداد أموال الدولة المنهوبة في الجمارك والتهرب الضريبي والأملاك البحرية، وغيرها من مزاريب الهدر والفساد.

 قد يكون التحرك الشعبي الشبابي بقي في دائرة الإختبار الأولى، فأتى خجولاً في البداية، ثم سرعان ما اشتد عوده لاحقاً، وبدأت مفاعيله بالإنتشار في مختلف المناطق، التي شهدت أيضاً تحركات عفوية، وغير منظمة، الأمر الذي شتت قوة إندفاعة الغضب، وحال دون تمركزها في قلب التحرك المركزي في بيروت. وهو أمر يستدعي المعالجة السريعة بالتواصل بين الأطراف المعنية، وتشكيل هيئة أو قيادة مشتركة تتولى إظهار النقمة الشعبية بالزخم المطلوب.

 لقد عاش الجيل السابق من الشباب تجربة تظاهرات ١٤ آذار وما حققته من إنجازات وطنية وسيادية، قبل أن تفتك بها الصراعات الحزبية والشخصية الداخلية. وتحرك الأمس، إذا تم التنظيم والتنسيق بين أطرافه في مختلف المناطق، يمكن أن يتحول إلى شرارة للثورة الشعبية العارمة للإطاحة بعناصر الفساد والعجز، وبمسببات الخراب والإنهيار التي تهدد كل لبناني في لقمة عيشه، ومصير أطفاله.

 مشكلة البلد لم تعد محصورة بالكهرباء والنفايات وما وصلت إليه في الأسابيع الأخيرة من إرباك في سيولة العملة الخضراء، وتضارب في سعر صرف الدولار، بقدر ما أصبحت تدور حول عدم قدرة الطبقة الحاكمة على أيجاد الحلول الملائمة للأزمات الراهنة، بل وتركها الأوضاع تتفاقم في تدهورها، دون التصدي بإجراءات صارمة للجمها في الوقت المناسب.

 هل يُعقل أن تمر سنة ونصف السنة تقريباً على مقررات سيدر، دون أن تستطيع الحكومة تنفيذ تعهد واحد فقط من البرنامج الذي طرحته في المؤتمر وحصلت من خلاله على المليارات هبات وقروض ميسرة، إرتبط تنفيذها بخطوات الإصلاحات المطروحة؟

هل يجوز أن نضرب بعرض الحائط كل الدراسات والعروض التي تقدمت لنا من كبريات شركات الكهرباء العالمية لبناء أحدث معامل إنتاج الطاقة وفي فترة زمنية قياسية، ونصر على الخوض في صفقة بواخر الكهرباء من جديد؟

ومن سيتحمل مسؤولية عودة كارثة النفايات من جديد، إزاء العجز الفاضح عن بناء معامل بيئية حديثة لمعالجة النفايات صلبة، أو إيجاد المطامر البيئية المناسبة، والإهمال المتمادي في تنظيم حملات توعية الفرز من المصدر؟

قد تكون الإنتفاضة الشعبية التي إنطلقت بداياتها أمس تأخرت بعض الشيء. ولكن أن تأتي متأخرة خير من ألاّ تأتي أبداً!!