عند اعلان قيام دولة اسرائيل دارت معارك حربية بينها وبين بعض الدول العربية ومن بينها لبنان. بذلت منظمة الأمم المتحدة ، دون جدوى جهودا حثيثة لوقف القتال الذي بدأ يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.
وبعد عدة محاولات لوقف اطلاق النار بين الدول العربية واسرائيل منيت جميعها بالفشل قرر مجلس الأمن الدولي بوصفه المرجع الأعلى المعني بحماية الأمن والسلم الدوليين، وبالإستناد الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، قرر بتاريخ 4 و16 من شهر تشرين الثاني 1948 اصدار القرارين رقم 61 و 62 اللذين تضمنا اعلان هدنة عامة تضمن خطوط هدنة دائمة يمتنع على الفرقاء تجاوزها.
التزمت كل الأطراف بتنفيذ هذين القرارين ووقعت اربع اتفاقيات من بينها اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل بتاريخ 23 آذار 1949.
تعتبر هذه الهدنة اطارا قانونيا لضبط النزاع بين لبنان واسرائيل وفي الوقت عينه أداة بيد الأمم المتحدة للإمساك بالوضع الأمني بأكمله بين البلدين ولخدمة الأمن والإستقرار بالمنطقة. ولهذا تعتبر الأمم المتحدة الطرف الثالث الموقع على الإتفاقية لتكون مرجعا يحتكم اليه الطرفان.
تعتبر اتفاقية الهدنة اللبنانية الإسرائيلية الموقعة من البلدين والأمم المتحدة معاهدة دولية او اتفاق دولي تتمتع بكل المواصفات التي حددها القانون الدولي لأنها تعبر عن توافق ثلاث ارادات من اشخاص القانون الدولي لإحداث اثار قانونية معينة طبقا لقواعد القانون الدولي.
ان احد اهم هذه الآثار هو احترام اسرائيل لحدود لبنان المعترف بها دوليا ولم تؤثر القرارات الصادرة لاحقا بما فيها القرار 1701 على الطبيعة القانونية لإتفاق الهدنة.
تتألف اتفاقية الهدنة من مقدمة وثماني مواد وملحق. ولقد وقع عليها ضباط من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية.
لكن اسرائيل اطاحت من جانب واحد بهذه الإتفاقية واعلنت تخلّيها عنها عندما اجتاحت لبنان في 5 حزيران 1967 وطبعا خلافا لمبادىء القانون الدولي. غير ان الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولبنان ومنذ توقيع الإتفاقية وحتى اليوم لا يزالون يعتبرون انها الإطار القانوني الدولي الصالح الواجبة التطبيق للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
من جهة اخرى وفي ايار 1951 اتخذ مجلس الجامعة العربية قرارا بإنشاء مكتب رئيسي لمقاطعة اسرائيل يكون مركزه دمشق، وعلى انشاء مكاتب مقاطعة في كل دولة عربية لتشديد الحصار على العدو الإسرائيلي.
وفي العام 1954 اقر مجلس جامعة الدول العربية القانون الموحد لمقاطعة اسرائيل الذي يحظر على كل شخص طبيعي او اعتباري ان يعقد بالذات او بالواسطة اتفاقا مع هيئات او اشخاص مقيمين في اسرائيل.
وبتاريخ 23 حزيران 1955 صدر في لبنان قانون مقاطعة اسرائيل. وفي العام 1963 انشىء مكتب مقاطعة اسرائيل لدى وزارة الإقتصاد والتجارة.
وهكذا يتبين ان القوانين اللبنانية ما تزال حتى اللحظة تعتبر اسرائيل كيانا عدوا للبنان وتحظر جميع اشكال التعاون معه وتعتبر كل تعامل خارج اطار اتفاقية الهدنة وخارج رعاية الأمم المتحدة عملا غير مشروع ويقع تحت طائلة الملاحقة الجزائية.
ولكن على الرغم من كل ما تقدم عمد لبنان منذ بضعة ايام على عقد اتفاق ثنائي مع اسرائيل برعاية وسيط اميركي لترسيم حدوده البحرية الجنوبية متجاوزا اتفاقية الهدنة ورعاية الأمم المتحدة.
من ناحية قانونية، اثار هذا الإتفاق الحيرة في معرفة طبيعته القانونية. فثمة من يعتبره معاهدة دولية بمفهوم قانون المعاهدات الدولية الذي كرسته اتفاقية فيينا في العام 1969 وبمفهوم المادة 52 من الدستور اللبناني لأن من قاد المفاوضات التي انتهت الى الإتفاق كان رئيس الجمهورية. وينبني على ذلك ان على الإتفاق ان يسلك مساره القانوني خاصة لجهة عرضه على مجلس النواب للموافقة عليه.
لكن هناك من لا يرى في هذا الإتفاق معاهدة دولية لأن الأمم المتحدة لم تكن شريكا فيه ولم ينجز وفقا لما نصت عليه اتفاقية الهدنة. حيث لم يجد من يعنيه الأمر ضرورة لعرضه على مجلس النواب. ولهذا رأى فيه البعض انه محاولة تطبيع مع العدو الإسرائيلي خلافا للمواثيق الدولية والعربية وللقوانين اللبنانية لا سيما قانون العقوبات العام قانون مقاطعة اسرائيل.
اما لجهة النتائج السياسية فمن المبكر الحديث عنها الآن. لكن ما بدأ يظهر من خلال مطالعة الإتفاق ان لبنان تنازل بمقتضاه عن حقه المشروع في الخط 29 كما وافق على تعليق حقه المشروع في ملكية حقل قانا على تفاهم اسرائيل مع شركة توتال. واذا كان هذا صحيحا يكون لبنان قد خسر طوعا حقوقا خالصة له فضلا عن مخالفة القوانين اللبنانية وراح الى سلام غير عادل.
------------
* مدعي عام التمييز سابقاً