بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 تموز 2022 08:02ص التصعيد الإيراني وأخطاره على لبنان

حجم الخط
يبدو بوضوح بأن حزب الله قد بدأ جدياً عملية الدفع للإنزلاق نحو حرب جديدة مع اسرائيل بعد الهدنة الطويلة التي التزمها في ظل القرار الدولي 1701. واللافت ان هذا التصعيد العسكري والاعلامي يأتي في وقت تستمر فيه المفاوضات بين الدولة اللبنانية وإسرائيل بوساطة أميركية، والتي كان حزب الله قد وعد بدعم موقف الرئيس عون في المفاوضات، مع الالتزام بقبول الحلول التي ستُفضي إليها هذه المفاوضات.
تدعو التطورات الميدانية المفاجئة التي بدأها حزب الله، بالاضافة إلى مواقف قيادات الحزب الاعلامية، وخصوصاً ما حمله خطاب أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله الأسبوع الماضي من تهديدات لإسرائيل، وتفضيله «خيار الحرب» على الاستمرار في العيش في ظل الأزمة الراهنة، التي يواجهها اللبنانيون، إلى التساؤل عن الأسباب التي دعت قيادات الحزب للتراجع عن وعودها وتأكيداتها بأن تقف داعمة للمفاوضات التي تقودها الدولة مع اسرائيل لحل النزاع القائم حول ترسيم الحدود البحرية «المتنازع عليها» بين الدولتين.
من المؤكد بأنه لم تحصل أية تطورات جديدة في الداخل اللبناني تدعو الحزب لتغيير المواقف الداعمة للمفاوض اللبناني، ولا بد من البحث عن تطورات اقليمية دفعت حزب الله لاعتماد رؤية وموقف متشدد تجاه اسرائيل او تجاه دور المفاوض الاميركي هوكشتين الذي يعمل كوسيط بين بيروت وتل ابيب.
في رأينا تأتي مواقف حزب الله العسكرية والاعلامية التصعيدية باتجاه اسرائيل على خلفية تطورين مهمين شهدتهما العلاقات الأميركية والايرانية، بعد فشل المفاوضات التي جرت في فيينا حول عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، مقابل رفع العقوبات الاميركية التي فرضتها ادارة الرئيس دونالد ترامب بعد خروجها من الاتفاق النووي عام 2018. ويبدو بأن نقطة الخلاف الرئيسية التي أطاحت بالاتفاق في محادثات فيينا ق تركزت على المطلب الايراني بنزع الحرس الثوري عن لائحة المنظمات الداعمة للارهاب، حيث رفضت ادارة بايدن التجاوب مع هذا المطلب. وكانت المحاولة الاخيرة لإيجاد مخرج لهذا الامر من خلال دعوة قطر الطرفين لعقد مفاوضات ثنائية في الدوحة. ولكن فشلت هذه المحادثات في فتح أية ثغرة في حائط الأزمة بين طهران وواشنطن، لتتوقف المفاوضات من دون وجود اي امل باستئنافها في المستقبل المنظور.
يبدو جلياً بأن التوتر في العلاقات الاميركية – الايرانية مرشح للارتفاع، على خلفية الزيارة التي قام بها الرئيس جو بايدن إلى المنطقة، والتي بدأت في اسرائيل وانتهت في قمة اقليمية عقدت في مدينة جدة، وحضرها إلى جانب القيادة الخليجية كُلٌّ من الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي، والعاهل الاردني عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
انتهت الاجتماعات بين بايدن والقيادات الاسرائيلية بعقد اتفاقات استراتيجية تلتزم فيها الولايات المتحدة بالدفاع عن اسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري – الاقليمي. وكرست هذه الاتفاقات بموجب «اعلان القدس» الذي وقعه بايدن ورئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لابيد، والذي تضمن تعهداً أميركياً بمنع ايران من صنع سلاح نووي مع التهديد باستعمال الوسائل كافة، بما فيها القوى العسكرية لتحقيق هذه الغاية.
يبدو بأن ايران تعتبر بأن زيارة بايدن والتزاماته الجديدة في تل ابيب وفي جدة هي بمنزلة هجمة اميركية جديدة ضدها، وهي تذكرها بالسياسة التي اعتمدتها ادارة الرئيس جورج دبليو بوش بعد احتلاله للعراق عام 2003. كما تعتبرها بمنزلة تجديد لمشروع كونداليزا رايس لبناء شرق اوسط جديد، يهدف إلى عزل ايران واسقاط نظام الدولة الاسلامية. ولذلك فانه من الطبيعي توقع حصول ردود فعل من قبل ايران وحلفائها في المنطقة، ضد هذا المشروع الاميركي الجديد الهادف إلى احتواء الهيمنة الايرانية، على عدد من الدول العربية، واحتواء وتقليص نفوذ ادواتها في المنطقة وعلى رأسها حزب الله في لبنان.
وكان من الطبيعي ان تبادر ايران للرد على هذه الهجمة الاميركية الجديدة من خلال دعوة حزب الله للتحرك في لبنان، من خلال استهداف مباحثات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل والتي تجري برعاية اميركية واعدة، بالاضافة إلى الضغط على اسرائيل من خلال عرض قدراتها لتهديد منشآت الغاز الاسرائيلية بواسطة المسيرات، وذلك بدءاً من حقل «كاريش» في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، والى ما بعد بعد «كاريش». ويعني هذا التهديد الصريح من قبل السيد حسن نصر الله وجود خطة لدى حزب الله وايران لمنع الغاز المنتج في اسرائيل وشرق المتوسط من التعويض ولو جزئياً عن النقص الحاصل في الدول الأوروبية بفعل القرار الروسي بوقف انبوب «نورد ستريم وان».
تؤكد تحركات حزب الله ونواياه بالاستمرار في التحرش باسرائيل، عبر اطلاق المزيد من «المسيرات» باتجاه الاراضي الاسرائيلية إلى وجود مخطط ايراني تصعيدي، وذلك انطلاقاً من مقولة ان افضل انواع الدفاع هو الهجوم، خصوصاً بعدما ثبت له جدوى هذه الاستراتيجية الهجومية خلال العقدين الماضيين. من هنا لا بد من تحذير اللبنانيين من مغبة تسخين الاجواء مع اسرائيل، والتي يمكن ان تؤدي إلى حرب واسعة، حتى اذا لم يسعَ حزب الله لاندلاعها على غرار ما حدث عام 2006، باعتراف السيد نصر الله من خلال قوله «لو كنت اعلم...».
لا بد ان يدرك حزب الله ومعه ايران بأن الحرب الجديدة اذا وقعت، فإنها لن تشبه حرب العام 2006، حيث ان اسرائيل ستستعمل فائض قدراتها النارية، وجيشها البري في هجوم كاسح ومزلزل يشمل الجنوب وبيروت والبقاع، وقد يمتد إلى مناطق اخرى لمعاقبة الدولة اللبنانية والشعب اللبناني.
وتقتضي الضرورة تنبيه حزب الله بأن حربه هذه المرة سيخوضها منفرداً حيث لن تتوافر وحدة الشعب لاحتضان المقاومة واستقبال اللاجئين. كما يغيب كل الدعم السياسي والمالي العربي، ولن يكون بمقدور الحزب والدولة اللبنانية ايجاد الاموال اللازمة لإعادة اعمار ما تهدم وخصوصاً القرى الجنوبية والبنى التحتية الاساسية على غرار ما حدث بعد حرب 2006. وستكون النتائج كارثية على المستويين الشعبي والانساني اذا ما قررت اسرائيل منع او تأخير عودة النازحين إلى مناطقهم وقراهم.
ستؤدي الحرب في حال وقوعها إلى اضرار سياسية فادحة، وسيكون من ابرزها تعطيل الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل، وبالتالي تعطيل الدولة، وأية امكانية لاعادة بنائها من خلال خلق حالة فراغ طويلة في السلطة، قد يتطلب الخروج منها وضع لبنان تحت وصاية دولية، او عقد مؤتمر دولي لإعادة لبنان إلى الشرعية الدولية.