بيروت - لبنان

16 تشرين الأول 2019 12:05ص التهديد باحتلال قصر الشعب.. من جديد

حجم الخط
يُدرك جميع اللبنانيين ان البلد يواجه مجموعة من الأزمات والمشاكل المتراكمة، والتي انعكست مؤخراً على أوضاعه الاقتصادية والمالية والنقدية، ولدرجة انها باتت تُهدّد لقمة العيش وحبة الدواء. كان من المفترض ان تنكب القيادات السياسية على معالجة الأولويات المتعلقة بالموازنة وبالاصلاحات الاقتصادية والمالية، ووقف عملية التلاعب بسعر الليرة من خلال حجب السيولة بالدولار عن السوق، والتي تبين ان مصرف لبنان والمصارف اللبنانية تقف وراءها، دون وجود أية أسباب جوهرية تبرر هذه السياسة النقدية الراهنة.

عكست الخلافات السياسية التي تفجرت في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت يوم الاثنين الماضي، بأنه لا يُمكن الركون إلى عقلانية وجدّية القوى السياسية الأساسية المتمثلة في الحكومة في مقاربتها لإقرار موازنة «اصلاحية» تضع لبنان على طريق استعادة ثقة المؤسسات المالية الدولية، وثقة الدول والمؤسسات المشاركة في مقررات «سيدر».. كخطوة أساسية على طريق استعادة البلد للنمو واعادة بناء اقتصاده المنهار.

لا تتركز الأسباب الحقيقية التي عطّلت جلسة مجلس الوزراء على مضمون الموازنة أو الإجراءات الإصلاحية التي يسعى رئيس الحكومة لضمها إلى المشروع، بل هي قضية «قلوب ملآنة» من النهج الذي يتبعه العهد والتيار الوطني الحر بشخص رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، سواء في ما يعود إلى العلاقة مع النظام السوري، والتي تشكّل قضية خلافية كبرى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط عام 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان، أو في عملية الاستئثار بالسلطة من خلال المحاولات المستمرة والمتكررة للانقلاب على الطائف من خلال البحث عن تكريس ممارسات واعراف جديدة تعطل مفاعيل الإصلاح الدستوري الذي كرسه الطائف، والذي ظهر من خلال طلب رئيس الجمهورية من المجلس النيابي تفسير المادة 95، وما تعنيه عبارة «وفق مقتضيات الوفاق الوطني» في ما يعود للتوظيفات دون مستوى الفئة الأولى أو ما يعادلها.

كان من الواضح في خطاب رئيس الجمهورية امام الأمم المتحدة تلويحه بفتح علاقات جديدة مع النظام السوري بذريعة فتح الباب لإعادة النازحين السوريين، في الوقت الذي يُدرك فيه الجميع بأن بشار الأسد لن يبيع ورقة النازحين للبنان لقاء زيارة يقوم بها الرئيس عون أو جبران باسيل إلى دمشق، وبأن نتيجة مثل هذه الزيارة لن تكون بأفضل من نتائج زيارة عون عندما كان رئيساً للتيار إلى دمشق للمطالبة بإطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية والتي انتهت بخيبة أمل كبيرة حيث لم يفرج النظام السوري عن معتقل واحد، كما وانه لم يعترف بوجودهم في سجونه.

يُدرك الرئيس عون ومعه رئيس التيار باسيل بأن لبنان يُعاني من أزمات ومشاكل ضاغطة، والتي يقومان بها إلى دمشق،كما كانت  تقضي المصلحة اللبنانية العليا ان يتجنبا وضعها في رأس اولوياتهما في خطابهما امام الجمعية العمومية أو في اجتماع وزراء الخارجية العرب، لأن هذا الطرح لم يلق اذاناً صاغية في الأمم المتحدة أو في الجامعة العربية في ظل قرارات العزل والعقوبات ضد نظام الأسد بسبب سياسة العنف والتدمير التي اعتمدها ضد شعبه.

لا يُمكن لأحد ان يمنع الرئيس عون أو الوزير باسيل من الذهاب إلى دمشق في أية لحظة يختارانها، ولكنه لا يُمكن ولا يجوز لأي منهما ان يفرض ذلك على جميع اللبنانيين، حيث ما زالت هناك أكثرية شعبية وسياسية مختلفة لا بل معادية لنظام الأسد، ولا يعود ذلك إلى تحميله مسؤولية ما حصل في سوريا، بل على خلفية ما فعله  ضد لبنان واللبنانيين، وخصوصاً ما يعود منها لعمليات إرهابية نفذت أو جري التخطيط لتنفيذها داخل لبنان، واهمها تفجير مسجدي السلام والتقوى في طرابلس، بالإضافة إلى المسلسل الارهابي الذي حمّله رئيس جهاز أمن النظام للوزير السابق ميشال سماحة .

لا بدّ ان يُدرك الرئيس عون والوزير باسيل بأن موقفهما تجاه النظام السوري لا يمكن ان يعبر عن رأي الحكومة، التي التزمت في بيانها الوزاري باعتماد سياسة النأي بالنفس عن كل المحاور والخلافات العربية، مع تأكيد الالتزام بالإجماع العربي، وبأن خروجهما عن هذا الالتزام ستكون له تداعيات سلبية على المستوى الداخلي والشعبي، بالإضافة إلى الاضرار بمصالح لبنان العليا عربياً ودولياً.

اللافت ان الوزير باسيل لم يكتف بخروجه على البيان الوزاري في خطابه في اجتماع وزراء الخارجية العرب، بل عاد إلى لبنان ليزايد في خطاب ناري في مهرجان التيار في الحدث بمناسبة الاحتفال بذكرى شهداء 13 تشرين 1990. كان من الواضح ان باسيل لم يحترم المناسبة ورمزيتها لا من جهة لباسه قميصاً اسود، مع كل ما تعني القمصان السود من مظاهر مرعبة للبنانيين، ولا من جهة مضمون الخطاب ولهجته العالية، وتهديده بقلب الطاولة في وجه شركائه في الحكومة أو في الوطن. جاء هذا الخطاب ليعطل مسار إقرار الموازنة في مجلس الوزراء، مع كل ما يتطلب ذلك من تفاهم وتنسيق وجهود ونوايا حسنة من قبل كل الأفرقاء الممثلين في الحكومة. ولم تقتصر تساقطات هذا الكلام الخارج عن كل عقلانية سياسية، من المفترض ان يتحلى فيها فريق رئيس الجمهورية في الحكومة، على تطيير جلسة مجلس الوزراء، بل تجاوزت ذلك بمفاعيلها السامة إلى الشارع على ما شهدناه من تحركات شعبية وشعارات رفعت ضد العهد مؤخراً.

ستؤدي مفاعيل الأزمات الاجتماعية والمعيشية المترافقة مع الكساد الاقتصادي المسيطر على البلد منذ بداية عهد الرلائيس عون إلى زيادة مستوى التوتر في الشارع، مع تحميل العهد وتياره مسؤولية دفع البلاد نحو الإفلاس، وهنا يجوز سؤال الوزير باسيل عن سبب حديثه عن وجود مؤامرة تحاك ضد الرئيس؟ وهل ان شعوره بوجود مؤامرة ينطلق مما رصده من تحركات وشعارات، عمت مختلف المناطق اللبنانية، رداً على سوء أداء الحكم داخلياً وعربياً ودولياً؟

في الواقع في ظل هذا الأداء السيئ للسلطة ولوزير العهد بات من المتوقع ارتفاع وتيرة المظاهرات والاحتجاجات ضد الحكومة والعهد، والذي يبدو انه معرض للاصابة بالوهن والشيخوخة، والعجز مع إطلالة السنة الرابعة من عمره.

إذا صحت هذه القراءة لاصابة العهد بالوهن والشيخوخة المبكرة، فإن باسيل سيكون الخاسر الأكبر، حيث سيتبدد حلمه بالوصول إلى سدة الرئاسة، وسيدفع ذلك إلى التساؤل جدياً عن مدى استعداده لركوب المغامرة واحتلال ساحات «قصر الشعب» بحجة انه الفريق الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، وهذا ما لمح إليه باسيل في خطابه في ذكرى 13 تشرين. وليتحضر اللبنانيون للمشهد الجديد.