بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2021 12:31ص الحرب على غزة وأخطارها على لبنان

حجم الخط
تشن إسرائيل حربها الثالثة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وهي تستعمل كامل قدراتها الجوية والبرية والبحرية ضد المدنيين، في الوقت الذي يرفض فيه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وقف إطلاق النار، بالرغم من تحوّل الأمر الي مطلب دولي يُشارك فيه الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي، والذي دعا جميع الأطراف لاحتواء التصعيد الحاصل في المواجهات التي بدأت في العاشر من الشهر الحالي.
تستمر إسرائيل للأسبوع الثاني في قصفها الهمجي للاحياء السكنية، مستهدفة الابراج في قلب مدينة غزة، من دون ان تأبه لحجم الخسائر البشرية، والتي زادت عن 213 قتيلاً بينهم 61 طفلاً، هذا بالإضافة إلى ما يزيد عن 1400 جريح، في الوقت الذي لم يتجاوز عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي عشرة قتلى وعدد الجرحى 294 جريحاً.
كان اللافت في الأمر العجز الذي اتسم به مجلس الأمن، حيث استطاعت الولايات المتحدة تعطيل آلياته في اتخاذ أي قرار يدعو الطرفين لوقف إطلاق النار، أو على الأقل إصدار بيان يدين فيه الاستعمال الإسرائيلي للعنف المفرط، من خلال شن هجمات متكررة، وخلال بضعة أيام من خلال استعمالها 160 طائرة اف-16 وأف-15 لضرب ما يزيد عن 150 هدفاً داخل المناطق الآهلة. انها حرب همجية تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني المتروك دولياً وعربياً في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية المتطورة والمتفوقة اضعاف اضعاف ما تملكه «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في غزة.
كان من المفترض ان تطلق إدارة بايدن منذ الأيام الأولى لاندلاع هذه الحرب مبادرة دبلوماسية من خلال دعوة مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار بوقف النار، مع وضع الترتيبات السياسية اللازمة للتعويض عن القرارات «الظالمة» ضد الشعب الفلسطيني، والتي اتخذتها إدارة دونالد ترامب، سواء لجهة الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، مع تشجيع تهويد الضفة الغربية، وذلك بعدما أقفلت مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، ووقف التمويل الأميركي لوكالة الاغاثة للاجئين الفلسطينيين. جاءت دعوة بايدن لوقف إطلاق النار بعد أسبوع كامل لسفك دماء السكان الأبرياء والأطفال في غزة. وهنا لا بدّ من التساؤل عن الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة في جلسة مجلس الأمن الذي سينعقد في جلسة مغلقة بعد ساعات من كتابة هذا المقال.
في رأينا تظهر الغارات الجوية الكثيفة ضد المناطق الآهلة في قطاع غزة، مع استهداف الاحياء السكنية والابراج العالية بأن إسرائيل لا تمتلك استراتيجية واضحة الأهداف على الصعيدين العسكري والسياسي، وهي تسعى لتغطية هذا الأمر من خلال العمل على زيادة الخسائر البشرية ودمار كل البنى الأساسية والعمرانية في غزة في محاولة مكشوفة لتغطية غياب الهدف السياسي الذي من المفترض ان يحققه نتنياهو لتغطية مسؤوليته عن اندلاع الحرب والاستمرار في ممارسة أعلى درجات العنف ضد المدنيين، على مسمع ومرأى العالم. لا يمكن لنتنياهو تسويق وتغطية الاضرار المادية والمعنوية داخل إسرائيل، والتي تسببت بها مئات الصواريخ التي أطلقتها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» والتي سقطت داخل المناطق الآهلة في إسرائيل، متحدية القدرات التقنية لشبكة صواريخ القبة الحديدية، والتي ثبت بأنها لا تتمتع بالقدرات الكافية لحماية المدن والأهداف الحسّاسة، وفق ما سوّقت له آلة الدعاية الإسرائيلية.
تؤشر أفكار ونوايا نتنياهو في إدارة الحرب إلى مدى خبثه وميوله لارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال اعتماد «الخديعة» بواسطة نشر انباء عن استدعاء 9000 جندي من الاحتياط، ونقل قوافل من الدبابات باتجاه الحدود مع غزة، في محاولة لاقناع «حماس» بالتحضير لهجوم برّي كبير ضد القطاع، ودفعهم بالتالي لمقابلتهم للاحتماء داخل الانفاق، والتي يجري قصفها من قبل موجات كثيفة من الطائرات، وبالتالي التسبب بمقتل أكبر عدد من المقاتلين.
لكن يبدو بأن هذه «الخديعة» لم تنطل على قادة «حماس» رغم استغلال القيادة الإسرائيلية وسائل الإعلام الأجنبية لنشر هذه الاخبار الملفقة. ونتج عن هذه الخديعة واستغلال الإعلام الأجنبي لتسويقها ردود فعل سلبية من عدد من الصحافيين الأجانب، والذين ذهبوا إلى اتهام نتنياهو والقيادات العسكرية بالكذب على شعبهم، وهذا ما دفع قيادة الجيش للاعتذار علناً عن المشاركة في تسويق هذه الخديعة.
تدرك النخب الإسرائيلية خطورة المغامرة الجديدة التي يرتكبها نتنياهو، وذلك انطلاقاً من ادراكهم لعدم وجود أهداف سياسية للحرب، ويعتبر بعضهم بأن الحرب لا تخدم الا مصالح نتنياهو الشخصية. لقد ذهب عدد من الشخصيات السياسية وعدد من الجنرالات المتقاعدين إلى اتهام نتنياهو باشعال الحرب من خلال الضغط على الفلسطينيين في القدس، سواء بإخراج السكان الفلسطينيين من منازلهم وجرفها في الشيخ جراح، أو بموضوع منع المصلين من الوصول إلى الجامع الأقصى، بمن فيهم الفلسطينيون الموجودون داخل إسرائيل.
كان أوّل المنتقدين للحرب رئيس الوزراء الأسبق ايهود اولمرت، الذي اتهم نتنياهو بشن الحرب بناءً على حسابات شخصية، تتعلق ببقائه في موقع رئاسة الحكومة، وإجهاض محاكمته بتهم الفساد والرشوة.
وقال أولمرت «منذ سنوات وأنا احذر من ان يلجأ إلى افتعال حرب من أجل حل مشاكله الشخصية». وربط رئيس الأركان الأسبق الجنرال دان حالوتس قرار الحرب بنتائج الانتخابات الأخيرة، والتي فتحت الباب امام يائير لبيد لتشكيل الحكومة الجديدة. وقال حالوتس «كان الأولى به ان يمنع «حماس» من التزود بصواريخ يغطي مداها قسماً مهماً من المناطق الآهلة في إسرائيل». وطالب حالوتس بضرورة اجراء تحقيق معمّق حول تعمد نتنياهو إشعال نار العنصرية بين اليهود والفلسطينيين من سكان المدن المختلطة، واتهم افيغدور ليبرمان رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» نتنياهو بمواصلة الحرب إلى ان يلتف الجمهور الإسرائيلي من حوله، متخذاً من المدن في جنوب إسرائيل «رهينة لمصالحه الشخصية».
في المقابل، حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي إسرائيل من مخاطر توسع الحرب إلى مناطق أخرى بعيدة عن حدود غزة، وبما يوحي بأنه يعني الحدود مع لبنان.
صحيح ان لبنان قد نجح من خلال الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة في الحؤول دون الانزلاق إلى مواجهات عنيفة بعد إطلاق بضعة صواريخ ووصول جموع المتظاهرين إلى السياج العازل على الحدود. ولكن لا بدّ من الاعتراف بمدى خطورة ما حدث في المطلة وكفركلا والعديسة وغيرها. اقول هذا الكلام مع ادراكي لمدى حرص حزب الله وإسرائيل على تفادي ارتكاب أي خرق للقرار 1701، وذلك تفادياً لأي انزلاق عن طريق الخطأ كما حدث في عام 2006، أو أي قراءة خاطئة لظـروف ما يجري في غزة، نحو حرب جديدة.
يُدرك حزب الله، ومعه إسرائيل، بأن الحرب الجديدة ستكون كارثية على لبنان وإسرائيل، حيث انها ستدمر كل البنى الأساسية في لبنان بالإضافة إلى معظم البيئة العمرانية والانتاجية لمدن وبلدات الجنوب، وستدمر الحرب أيضاً جزءاً من المناطق الآهلة، في شمال ووسط إسرائيل. من خلال الترسانة الصاروخية الكبيرة والدقيقة التي يملكها حزب الله. ويمكن الاستنتاج بأن عامل الردع المتبادل الذي يملكه حزب الله وإسرائيل، يدفع الطرفين لتجنب الانزلاق إلى حرب جديدة عن طريق الخطأ أو عن طريق سوء تقدير الموقف.
يبدو بأن «حماس» قد تعلمت دروساً ثمينة من تجربة حزب الله، وهذا ما دفعها إلى بناء ترسانتها الصاروخية، مع تحسين كبير في مدى الصواريخ ودقتها، أو لجهة اطلاقها برشقات كثيفة، وبما يمكنها من تجنّب تدميرها من القبة الحديدية، وبلوغ نسبة 20 بالمئة منها أهدافها المحددة.
عند انتهاء الحرب سينكب الباحثون الاسرائيليون على دراسة مجرياتها ونتائجها، وسيدرك هؤلاء فداحة الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه نتنياهو ومعه القيادة العسكرية من خلال اعطائهم الفرصة لحماس لامتلاك عامل الردع المحدود ضد جبروت القوة العسكرية الإسرائيلية.
في النهاية، تبقى الضمانة الوحيدة لتجنب مخاطر الدخول في حرب مدمرة، تشنها إسرائيل ضد لبنان من خلال استعادة الدولة اللبنانية لقرار الحرب والسلم، وبالتالي الحؤول دون بقاء البلد رهينة للمصالح الإيرانية الاستراتيجية.