بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 تشرين الأول 2021 08:37ص الحكومة أسيرة خيارات حزب الله الإقليمية

حجم الخط
لا يمكن لأي عاقل أن يعتقد أن حكومة ميقاتي تملك العصا السحرية لتحقيق المعجزات وتنتشل البلاد من ازماتها السياسية والاقتصادية والنقدية والاجتماعية المستفحلة، من المؤكد أن الحكومة ستواجه مجموعة كبيرة من التحديات، والتي يمكن أن تُهدّد وحدتها وقدرتها على الحكم، وبالتالي اضطلاعها بالاصلاحات المطلوبة والتي يمكن لاستعادة بعض ثقة الخارج لفك الحصار السياسي والمالي المفروض على لبنان.

لكن يبقى من المأمول به ان تعمل الحكومة خلال هذه الفترة التي تسبق موعد اجراء الانتخابات النيابية بجد وتعاون وتنسيق بين مكوناتها لتنفيذ بعض الإصلاحات والخطوات المطلوبة للحصول على بعض المساعدات والقروض التي تمثل حاجة ماسة لوقف الانهيار الحاصل على المستوى النقدي وما يرافق ذلك من أزمات معيشية واجتماعية، يمكن ان تصيب الدولة بكل مؤسساتها بحالة من الشلل، وتضعها بالتالي على طريق الانهيار الكامل.

بعيداً عن باب المزايدات السياسية على الحكومة ورئيسها، فإننا ننبه إلى حالة الجمود المسيطرة على عمل الحكومة، ففي الوقت الذي كنا ننتظر ان تبادر الحكومة مجتمعة للعمل على تكثيف العمل لإنجاز الخطط والبرامج الإصلاحية لإطلاق مختلف المشاريع الملحة المطلوبة من المؤسسات الدولية ومن الدول التي وعدت بمساعدة لبنان، والتي يأتي في رأسها مشروع إصلاح الكهرباء. وهنا نتساءل عن حالة الغموض التي تلف الحكومة ووزارة الطاقة حول عدم المبادرة فوراً لتشكيل الهيئة الناظمة بالإضافة إلى البدء باتخاذ الخطوات الفعلية التي تؤدي الى بناء معامل إنتاج جديدة لتأمين النقص الحاصل في التغذية والذي يمثل الخطوة الأساسية اللازمة بعد انتهاء عقد الباخرتين التركيتين، وقطعهن كلياً عن الشبكة.

لا نغالي إذا قلنا بأن الحكومة تعمل حتى الآن بوتيرة بطيئة، وكأن البلاد لا تواجه هذه المجموعة من الأزمات المعقدة، والتي باتت تُهدّد كينونة الدولة والاستقرار الوطني العام. لن نذهب إلى التخمين بأن هناك اسباباً ضاغطة على الرئيس ميقاتي تمنعه من إطلاق ورشة العمل وفق النمط السريع والفعَّال الذي عرف عنه، سواء في أعماله الخاصة أو في العمل السياسي.

لكن يمكن من خلال متابعتنا لمواقف بعض الأفرقاء السياسيين الرئيسيين ومن بينهم الرئيس ميشال عون وتياره السياسي، وحزب الله اكتشاف محاولات لفرملة عمل الحكومة، وهذا ما اظهره قرار الرئيس عون في مبادرته لتشكيل الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي مع إلحاق مستشارين خاصين به، دون التشاور مع رئيس الحكومة من جهة، كما تؤشر إليه مواقف عدد من القيادات المرموقة في حزب الله، سواء ما يعود بالحملة الشعواء التي تشن ضد المحقق العدلي، والتي شملت تهديدات مباشرة للقضاء في حال لم يُبادر إلى تعديل مسار التحقيق العدلي في تفجير مرفأ بيروت.

لكن، وأبعد من العمل الحثيث الذي يضطلع به الحزب لتعطيل التحقيق العدلي في جريمة المرفأ يبدو أن مخطط حزب الله لإسقاط ما تبقى من الدولة بات يتخذ منحى خطيراً، وهو لم يعد مقتصراً على استعماله للمعابر غير الشرعية لاستقدام المازوت الإيراني من سوريا، في وضح النهار وفي ظل عراضة مسلحة يقوم بها اتباعه، بل اتخذ منحى فرض سيطرته الكاملة على كل المؤسسات الرسمية، وفي رأسها المؤسسات العسكرية والأمنية، في رأينا هذا ما عناه السيّد هاشم صفي الدين عندما تحدث في خطابه الأخير عن وجود خلايا نفوذ أميركية داخل مؤسسات الدولة، موحياً بأن هذا الأمر مزعج لحزب الله وبأن لديه النيّة للتخلص من الأشخاص الممثلين لهذا الاختراق الأميركي لمؤسسات الدولة، يطرح هذا الكلام الخطير بتساؤلات عديدة عن مدى حرص الدولة على ممارسة وظائفها الشرعية والقانونية والدستورية واهليتها للحفاظ على وحدة مؤسساتها وحمايتها من التدخلات الخارجية، ويشكل هذا الأمر في رأينا عنصراً اساسياً من عناصر السيادة، وذلك انطلاقاً من ان ممارسة السلطة السياسية المتمثلة بمجلس الوزراء لحقها في تأمين سيادة لبنان، إذا فقدت الدولة استقلالية وقدرة هذه المؤسسات والأجهزة على أداء وظائفها بمعزل عما تريده منها القوى الحزبية والطائفية منها فلا تبقى هناك سيادة وطنية، يمكن للدولة الاعتداد بممارستها كدولة مستقلة.

من خلال متابعين لما يجري في لبنان على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، حيث يعلم الجميع مدى اهتمام الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة بموضوع مساعدة الجيش وقوى الأمن الداخلي سواء بالتدريب أو بالتجهيز والتسلح، فإنه يبدو لي بأن المؤسسات التي عناها السيّد صفي الدين هو الجيش والمؤسسات الأمنية. إذا كانت هذه المؤسسات هي المقصودة بالفعل فإن هذا التهديد يأخذ معنى خطيراً في موضوعي السيادة وفي الضمانة التي توفرها لاستمرارية الدولة الثقة التي يضعها الشعب اللبناني في المؤسسة العسكرية، لأن أي عمل ضاغط يقوم به حزب الله لتغيير بعض القياديين في المواقع العليا والحساسة، سيؤدي إلى تبديد هذه الثقة الشعبية وهدر للضمانة الوطنية، والتي تشكّل العامود الفقري لهيكل الدولة، والمسوّغ لاستمرارية اهتمام عواصم القرار والأمم المتحدة للحفاظ على لبنان كدولة قابلة للحياة.

في هذا السياق لا بدّ من التساؤل عن المقاصد التي رمى إلى تحقيقها السيّد صفي الدين، ومدى ارتباطها بالاستحقاق الرئاسي في خريف 2022، وبامكانية ان يكون العماد جوزف عون بين الأشخاص المرشحين بقوة لمنصب رئيس الجمهورية، مع وجود مؤشرات على إمكانية دعم ترشيحه من قبل كل من واشنطن وباريس والاتحاد الأوروبي، من المؤكد ان حزب الله يسعى للإتيان برئيس حليف يدعم خياراته السياسية وتوجهاته الإقليمية وبما يتعارض مع التوجهات الغربية والخليجية، وخصوصاً لتوجهات معظم اللبنانيين، الذين يعتبرون بأنه لا خلاص لبلدهم وحل أزماته المعقدة الا بإعادته للالتزام بالحياد، ومن خلال التمسك بإعلان بعبدا والذي يمثل الخطوة الاكيدة على طريق استعادة السيادة.

لا بدّ ان يُدرك الرئيس ميقاتي أهمية التحرّك بسرعة وفعالية لاعتماد وتنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة لإعطاء الإشارة الواضحة للغرب وللدول الخليجية، بأن في لبنان حكومة قادرة على مواجهة كل الضغوط في ممارستها لخياراتها الإصلاحية والوطنية. لكن هذا الأمر لن يكفي لتأمين الانفتاح السعودي والخليجي، على ضوء اتصال ماكرون بولي العهد السعودي، وعودة وزير خارجيته من الرياض دون إحراز أية نتيجة تذكر.

في رأينا يبقى من الضروري التحذير من وجود سيناريو بديل لنجاح الحكومة في تنفيذ بعض الإصلاحات والذهاب إلى انتخابات نيابية تجرى في مواعيدها، ويقضي هذا السيناريو بافتعال أزمة سياسية - أمنية قد تسقط استحقاق الانتخابات، ومعه الحكومة من خلال استقالة «الثلث المعطل المبطن» داخلها، على ان يجري التمديد للمجلس، وعرقلة تشكيل حكومة بديلة إلى حين موعد الاستحقاق الرئاسي، وبما يفتح المجال لجهابذة القانون والمجتهدين في القصر الجمهوري لاعتماد فتوى لبقاء الرئيس عون في بعبدا بحجة عدم جواز وجود فراغ في السلطة، وسيحظى مثل هذا السيناريو بتأييد من محور المقاومة والممانعة، بحيث يعيش البلد في ظل هذا الوضع إلى ان تتأمن الظروف المؤاتية لحزب الله للإتيان برئيس وبمجلس نيابي داعمين لخياراته.