بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آب 2019 12:37ص الحنين إلى الخط العسكري

حجم الخط
الخط العسكري للوصول إلى السلطة في لبنان ثقافة عميقة وكانت أوسع تجلياتها مع حقبة الوصاية السورية، إذ شاعت استخدامات مصطلح الخط العسكري والبعض كان يستخدمه للدخول إلى سوريا من دون المرور بالإجراءات الحدودية التقليدية، ولكن الأهم من ذلك كان استخدام الخط العسكري للوصول إلى النيابة والوزارة والبلدية والإدارة العامة، بالإضافة إلى الغايات السياسية والتجارية والاقتصادية، وكانت الذروة بعد العام ١٩٩٢مع إجراء أول انتخابات نيابية بمواصفات سورية وكان معظم الذين وصلوا إلى المجلس النيابي من حملة شهادات الخط العسكري.

ثقافة الخط العسكري غير مرتبطة حكماً بالوجود السوري لأن لبنان عرف الخط العسكري منذ الحكم العثماني، إذ كان الوالي التركي هو المعبر الحقيقي للزعامة والوجاهة والباشاوية والبكوية والآغاتية والأفندية وغيرها من الصفات التي تدل على علاقة الوجيه بالحاكم العسكري، وتلك الثقافة انتقلت إلى الثورة العربية التي أسس لها وقادها ضباط المخابرات البريطانية على مثال كلايتون ولورنس والتي أسست لسايكس بيكو ودولة الانتداب، أي الدولة المُستعَمرَة على قاعدة النموذج الذي ابتكرته بريطانيا على الساحل الشرقي الأميركي خلال استعمارها، إذ قامت بتأسيس ١٣ دولة مُستعمرَة خاضعة للتاج البريطاني وذلك النموذج حملته بريطانيا وفرنسا إلى المنطقة بعد الثورة الأميركية وإعلان الاستقلال ١٧٧٦.

تأسست فكرة الدولة اللبنانية على قاعدة المُستعمرَة منذ إعلان متصرفية جبل لبنان ١٨٦٠ وتعيين متصرف غير لبناني على رأسها وهم ما اختصروا بمجموعة (دفرونيميا)، ثم كان إعلان دولة لبنان الكبير١٩٢٠ من قبل الجنرال غورو تحت الوصاية الفرنسية وهو ما عرف بالانتداب، وتشكلت السلطة والمؤسسات ووضع الدستور أيضا عن طريق الخط العسكري الفرنسي ومعه كل الزعامات والقيادات التي حكمت لبنان في حقبة ما قبل إعلان الاستقلال ١٩٤٣، الذي جاء أيضا عبر الخط العسكري البريطاني عن طريق الجنرال اللنبي أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد احتلال ألمانيا النازية لفرنسا وأصبح الخط العسكري إلى السلطة بريطاني بامتياز.

جاءت أحداث ٥٨ لتؤسس لخطوط عسكرية جديدة في السياسة بين دول حلف بغداد ودولة الوحدة العربية والجيشين الاميركي والسوفياتي، وبداية ظهور الخطوط العسكرية السياسية العربية، وشكلت أحداث ٥٨ الصعود الأول للعسكرية السياسية اللبنانية التي اصطدمت بالانقلاب العسكري عشية رأس السنة عام ٦١، وبعده أصبحت الشعبة الثانية العسكرية تشكل الحكومات وتعين النواب وصولا إلى اتفاق القاهرة والخطوط العسكرية الفلسطينية أيام الأبوات والرفاق وباشاوات الميليشيات، وتعميم ثقافة الخط العسكري على الجبهات والزواريب والأحياء الشرقية والغربية، مرورا بالخطوط العسكرية الليبية والعراقية وغيرها، وصولا إلى الاجتياح الإسرائيلي وخطوطه العسكرية السياسية، وصولا إلى الخط العسكري الإيراني وخصوصا بعد ٢٠٠٥.

دخل لبنان في الأسابيع الماضية حالة من تداخل الخطوط العسكرية السياسية المحلية والعربية والإقليمية المأزومة نتيجة التموضعات العسكرية الدولية في لبنان والمنطقة، وأدى ذلك إلى شيء من الضياع لدى هواة الوصول عبر الخط العسكري او على حساب دماء شهداء الاغتيالات، الذين اظهروا خفة وعدم احتراف مع الاستغراق في الأنانيات وحب الذات عبر إسقاطات وهمية لدورهم في الأحداث، بالاضافة الى تجاهل الاجتماع غير المسبوق في قصر بعبدا، والذي حضره الرؤساء الثلاثة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف وآخرين، لتفادي العقوبات الأميركية الكارثية والانتصار للدولة والإصلاحات والجيش اللبناني والقرارات الدولية، أما هواة الخط العسكري فلقد انشغلوا بالاجتماع الثاني وغردوا طربا بالمصالحات والبطولات والمبايعات تعبيرا عن الحنين إلى الخط العسكري.