بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الأول 2018 12:10ص الخلل والإحباط في الطائفة السُنيّة... إلى أين؟

حجم الخط
ليست «العقدة السنيّة»، التي برزت فجأة في الأسابيع الأخيرة، هي الظاهرة الوحيدة على واقع الخلل الذي تعاني منه الطائفة السنية، ولعل التوظيف السياسي المتمادي لهذه العقدة في تأليف الحكومة، يؤكد مرة أخرى، حالة الضعف والإرباك السائد في أوساط، ولدى قيادات، أكبر الطوائف في لبنان.
تشهد مختلف المراحل السياسية، وأشدها صعوبة، التي مرّت بالبلد بعد إعلان دولة لبنان الكبير قبل ٩٨ عاماً، أن السنّة كانوا بمثابة جسر التواصل الوطني بين اللبنانيين، وصولاً إلى اعتماد أسس الميثاق الوطني بين الزعيمين: المسيحي بشارة الخوري والمسلم رياض الصلح، الذي كرّس صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، وأنهى مرحلة الخلاف على هوية لبنان وانتمائه العربي، حيث أصبح في طليعة الدول التي ساهمت في تأسيس جامعة الدول العربية، وصياغة نظام عملها بما يتوافق مع الاعتبارات اللبنانية في التميّز والمحافظة على الخصوصية الحسّاسة لتركيبته السكانية.
 طوال سنوات الحرب المريرة، بقيت الطائفة السنيّة خارج مشهد الصراع المسلح، وبقيت قياداتها السياسية متمسكة بصيغة الميثاق الوطني، ورافضة لكل طروحات الفيدرالية والتقسيم، رغم كل ما أصاب بيروت وطرابلس ومناطق سنيّة أخرى من خراب ودمار، وحافظت على وحدة الموقف الإسلامي، في زمن التشرذم والتفتيت، بل وحاولت القيام بدور المحاور بين المتحاربين، ولكن اللعبة كانت أكبر من اللاعبين المحليين، إلى أن دقت ساعة إنهاء الحرب، وانعقد مؤتمر الطائف الذي أخرج لبنان من أتون الاقتتالات المتقلبة، وانبثق عنه الاتفاق الذي تضمن صيغة الميثاق الوطني الجديد، الذي أسس للدستور الحالي، وأعاد تركيب الجمهورية على قواعد أكثر توازناً بين السلطات، كما بين الطوائف. 
لم يعد سراً الدور الكبير الذي لعبه الرئيس رفيق الحريري، بالتعاون مع القيادات الإسلامية خاصة، لإقناع الأطراف المسيحية بالمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب، ويؤسّس لمرحلة مستقرة من الأمن والسلام، وتجاوز المعارضة التي قادها العماد ميشال عون ضد مؤتمر الطائف أساساً، وضد كل ما صدر عنه لاحقاً، سواء بالنسبة لاتفاق الطائف، أو لانتخاب الرئيسين رينيه معوض وإلياس الهراوي، خلال أقل من شهرين.
حرّر اتفاق الطائف رئيس الحكومة من وصاية رئيس الجمهورية، ووضع صلاحية اختياره لدى نواب الأمة، ولكن الميثاق والدستور الجديدين وضعا السلطة التنفيذية لدى مجلس الوزراء مجتمعاً، ومع ذلك تم الترويج لمقولة أن رئيس الحكومة أخذ صلاحيات رئيس الجمهورية، الأمر الذي أثبتت الوقائع عكسه تماماً، حيث برزت مخططات فاضحة لإضعاف الموقع السنيّ الأول في السلطة، في فترة الوجود السوري في لبنان، وفي المراحل التي تلت، حتى يومنا هذا، الأمر الذي أدى إلى استنزاف الدور السنيّ ومحاصرته في مربعات ضيّقة، انعكست نتائجها السلبية على وضع الطائفة السنيّة برمتها، وأوصلت جمهورها إلى الحالة السائدة اليوم من الإحباط والقرف، فيما مؤسسات الطائفة تسجل تراجعاً مستمراً في قدراتها، وتقليصاً متزايداً لدورها التربوي والاجتماعي والصحي والرعوي، على ما هو حاصل مع أم المؤسسات جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وغيرها كثير!
أدرك الرئيس رفيق الحريري باكراً مخاطر استمرار هذا الحصار على الدور السنيّ علي التوازنات الداخلية، وليس فقط على الطائفة السنيّة، وعمل عبر علاقاته العربية والدولية أن يخفف من الضغوط التي كان يتعرّض لها مركز رئيس مجلس الوزراء، فكان ينجح حيناً، ولا يُوفق أحياناً كثيرة، لأن المواجهة كانت أشرس مما يظن، ووصلت إلى حد اغتياله في ذلك الانفجار الرهيب الذي هز البلد، وزلزل أمنه واستقراره، وأدخله في دوامة من الصراعات الداخلية، الطائفية والمذهبية، أطبقت رياحها على القلاع السنيّة، واستهدفت النيل من ثباتها وثوابتها الوطنية والعربية، التي ما زالت تقاوم الهجمة بقدراتها المتاحة، رغم كل الخلل الحاصل في موازين القوى المحلية والإقليمية!

الاسبوع المقبل: وقائع من الإحباط السنيّ.