بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الثاني 2021 12:02ص الخيارات المصيرية التي يواجهها لبنان

حجم الخط
دعا البطريرك بشارة الراعي في عظته يوم الأحد الماضي الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري إلى عقد مصالحة شخصية يجددان فيها الثقة التي تقتضيها مسؤوليتهما العليا. وأكد الراعي انه من المعيب ان يبقى الاختلاف على الأسماء، أو على الحقائب، وعلى نسبة الحصص ولعبة الاثلاث، فيما تكاد الدولة تسقط نهائياً، مضيفاً «ولسنا ندري لصالح من هذا الانتحار؟».

ودعا البطريرك الرئيسين إلى اتخاذ موقف بطولي من أجل إنقاذ لبنان من خلال تأليف الحكومة، حيث يُشكّل ذلك المدخل الإلزامي والدستوري لإعادة الحياة اللبنانية إلى طبيعتها.

يبدو ان كلام البطريرك ببعديه الإنساني والسياسي قد وقع على آذان صماء، ولم ينجح في إثارة المشاعر الوطنية لدى الرئيسين، ولم يحرك لدى أي منهما الحس بالمسؤولية الدستورية والوطنية.

في رأينا يبدو بوضوح بأن هناك أزمة ثقة بين الرئيسين عون والحريري، من الصعب تجاوزها، للتعاون وتقديم تنازلات متبادلة، تسهّل تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، قادرة على وضع واعتماد وتنفيذ خطة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية المتردية، بالإضافة إلى التصدّي للاخطار المتنامية الناتجة عن جائحة كورونا والتجاوب مع المطالب الشعبية الملحة لكشف الأسرار التي تلف جريمة الانفجار في مرفأ بيروت.

جرى التعويل في البداية على مبادرة البطريرك الراعي لرأب الصدع القائم في العلاقات ما بين عون والحريري، ومن خلال دعوتهما للاجتماع والتعاون للخروج بتشكيلة حكومية من الاختصاصيين.

وبالفعل فقد أظهر الحريري منذ الأيام الأولى لتكليفه بتشكيل الحكومة رفضه بالمطلق للانفتاح والاجتماع بجبران باسيل بالرغم من توجيهات الرئيس عون وطلبه المتكرر للحريري بالاجتماع بكل الكتل والتيارات للاطلاع على مطالبها ورؤيتها لتشكيل الحكومة وبرنامجها الاصلاحي، لكن سرعان ما ادرك الحريري بأن الهدف المحوري وراء توجيه الرئيس عون للاجتماع بالكتل النيابية للاطلاع على مطالبها ورؤيتها للمرحلة المقبلة، هو دفعه للاجتماع بجبران باسيل، من أجل إعادة تعويمه سياسياً، وبالتالي فتح الطريق امامه للدخول في «بازار» تشكيل حكومة يسمّي باسيل فيها معظم الوزراء المسيحيين، مع التأكد من حصوله على الثلث المعطل في الحكومة. وبالفعل فقد كشف جبران من خلال حملته على الحريري في كلمته الأخيرة عن الخطة التي اعدت لارهاق الحريري، والحؤول دون تشكيل حكومة الاختصاصيين المستقلين، التي سعى إليها، كحكومة مهمة قادرة على وضع برنامج إصلاحي، وفق الخطوط الكبرى للمبادرة الفرنسية وتنفيذه، بدعم دولي وعربي.

يبدو بأن الحريري قد تعلم دروساً «ثمينة» من خلال تجربته مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر بقيادة باسيل. ومن أبرز هذه الدروس ضرورة الثبات على مواقفه وعدم الرضوخ للضغوط والمساومات والتي تصل إلى حدّ الابتزاز السياسي في اغلب الأحيان. لم تنجح المراهنة على وهن الحريري وبالتالي خضوعه لمطالب باسيل، كما حدث أثناء تشكيل الحكومتين الأولى والثانية في عهد عون. وبالفعل فقد دفع صمود الحريري على موقفه من تشكيل حكومة اختصاصيين البطريرك الراعي للتحرك باتجاه بعبدا، مطلقاً مبادرته الهادفة إلى تشكيل حكومة اختصاصيين، وهذا ما دفعه للتساؤل في عظته الأخيرة بقوله «ما قيمة الحياد والتجرد والشفافية والنزاهة إذا تسلم الحقائب المعنية بمكافحة الفساد ومقاضاة الفاسدين وزراء يمثلون قوى سياسية؟».

في الواقع ضيقت مبادرة البطريرك مساحة المناورة امام الرئيس عون وامام محاولات باسيل لابتزاز أو تعجيز الرئيس المكلف، وهذا ما دفع باسيل إلى «البوح بكل المستور» لديه، وسبق لباسيل ان تحدث في مناسبات عديدة، مهدداً بقلب الطاولة، دون ان يفصح عما يعنيه بذلك، لكن الظروف الضاغطة التي ولدتها مواقف الحريري ووضوح مواقف البطريرك الراعي الضاغطة على الرئيس عون وفريقه لتسهيل تشكيل الحكومة قد دفعت باسيل إلى الإفصاح عن رغبته بالدعوة إلى حوار سياسي بحثاً عن نظام جديد، وبعبارة أدق بحثاً عن الجمهورية الثالثة، التي يجب ان تحل مكان جمهورية الطائف، والتي شكلت دائماً العقدة السياسية الكأداء لمسيرة الرئيس عون كرئيس للحكومة المؤقتة، أو كرئيس للجمهورية، وذلك لادراكه بعدم قدرته على تجاوز أو تخريب موازين القوى الداخلية التي أرساها الدستور الجديد.

اكتملت صورة المشهد السياسي الذي جهد باسيل لتظهيره من خلال الدعوة لنظام جديد من خلال تسريب الشريط «الفضيحة» من قصر بعبدا، والذي أكّد على رفض الرئيس عون وتياره السياسي لتكيلف الحريري بتشكيل الحكومة الإنقاذية. وتشكل هذه «الفضيحة» دليلاً على مدى انحدار مستوى الحس بالمسؤولية والحنث بالوعود باحترام الدستور.

تدفعنا دعوة باسيل للبحث عن نظام جديد، ومضمون موقف الرئيس عون من معارضته لتشكيل حكومة برئاسة الحريري إلى استرجاع جميع التناقضات التي طبعت مواقف العماد عون في سعيه للوصول إلى رئاسة الجمهورية خلال ما يزيد على ثلاثة عقود، مع كل ما تسبب به من اضرار سياسية واقتصادية وعمرانية للبلاد بدءاً من حربي التحرير والالغاء ومروراً بحالة «العصيان» في قصر بعبدا، وبالتسبب بالفراغ الرئاسي لمدة سنتين بعد انتهاء رئاسة ميشال سليمان، ووصولاً إلى التقصير الحاصل في إدارة شؤون البلاد خلال أربع سنوات من عهده، والذي أدى في نهاية المطاف إلى إفلاس الدولة ومعها كامل النظام المصرفي،  بالإضافة إلى الكساد الاقتصادي وتعميم حالة الفقر.

في نهاية المطاف يمكن الاستنتاج بان خيارات الرئيس عون وتياره السياسي والتي عبر عنها باسيل تلتقي مع رؤية حزب الله لمستقبل لبنان، وسعيه الدؤوب لاضعاف المؤسسات وتشظيها، تحضيراً للدعوة لمؤتمر تأسيسي لبناء سلطة جديدة خاضعة كلياً للهيمنة الإيرانية والسورية، وهذا ما تؤشر عليه وتؤكده الدعوات السابقة المتكررة للتوجه في خيارات لبنان الاقتصادية شرقاً، كما أكده كلام باسيل بضرورة التنسيق والتعاون والانفتاح على النظام السوري.

تؤشر هذه المواقف في ظل الأوضاع المتردية والخطيرة التي يواجهها لبنان الى مجموعة من الخيارات المصيرية ابرزها:

اولاً، استمرار العرقلة لتشكيل حكومة إصلاحية، وبالتالي سقوط جميع المبادرات الإصلاحية الساعية لإنقاذ لبنان من الانزلاق إلى قعر الهاوية.

ثانياً، تشكيل جبهة سياسية من حزب الله والتيار مع قوى 8 آذار وبدعم إيراني وسوري للمطالبة والسعي للبحث بانعقاد مؤتمر تأسيسي يؤمن استمرارية حكم التيار ووصول باسيل إلى سدة الرئاسة. وإذا لم تنجح هذه المحاولة خلال ما تبقى من عمر العهد، فيمكن عندها تمديد عمر العهد لفترة سنتين أو أكثر، وهي المهلة اللازمة للعبور إلى النظام الجديد.

ثالثاً، لكن من المنتظر ان تتصدى القوى السياسية الأخرى لهذا المخطط وبدعم أميركي واوروبي وعربي. وبما يدفع بالبلاد نحو حرب أهلية جديدة.

في نهاية المطاف سيرتبط مستقبل الأوضاع في لبنان، بالتطورات التي تشهدها المنطقة العربية، على ضوء الخيارات الأميركية المنتظرة تجاه إيران.