بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تموز 2022 08:05ص الشرق الأوسط بعد زيارة بايدن

حجم الخط
أثارت الزيارة الأولى للرئيس جو بايدن لمنطقة الشرق الاوسط ما بين 13 و16 تموز 2022 نقاشاً واسعاً في وسائل الاعلام الدولية والاميركية والاقليمية، واختلفت الآراء حول جدوى الزيارة ونتائجها، حيث رأى بعضهم بأنها لم تؤدِّ لأي نتائج ايجابية تخدم المصالح الاميركية ومصالح حلفاء اميركا في المنطقة، وبأن الرئيس بايدن قد عاد إلى واشنطن بخفي حنين. في الوقت الذي ذهب آخرون إلى ان هدف الزيارة الاساسي كان إعادة تأكيد واشنطن على التزامها بأمن واستقرار الحلفاء في المنطقة من جهة، ومنع الصين وروسيا من بناء حالة من النفوذ تسمح لهما بالهيمنة سياسياً واقتصادياً على دول المنطقة من جهة أخرى. ولا يمكن في الواقع تقييم مدى نجاح هذه الزيارة في تحقيق هذين الهدفين خلال ايام او اسابيع او اشهر. وكان من الطبيعي ألا يتوقع اي عاقل ان ينهي الرئيس بايدن خلال ثلاثة ايام الحرب في اليمن او ان يحل كل تعقيدات الصراع المزمن بين اسرائيل والفلسطينيين من خلال محادثاته القصيرة مع القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية.
في تقييم واقعي لنتائج زيارة بايدن للمنطقة يمكن القول إن هذه النتائج ستظهر تباعاً، فهناك اولاً توقعات حول زيادة إنتاج وضخ كميات اضافية من النفط من المملكة العربية السعودية نحو الاسواق الاوروبية والدولية، كما انه من المتوقع ان تظهر نتائج مساعي بايدن للسماح للطائرات التجارية الاسرائيلية بعبور اجواء المملكة، هذا بالاضافة إلى تأمين الارضية لحوار بنَّاء بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية بشخص ولي العهد محمد بن سلمان، وإزالة كل الأثقال والضغوط التي تولدت منذ بدء الحملة الانتخابية الرئاسية لبايدن، والذي اتهم ولي العهد بالموافقة على اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول.
وهناك دون شك، مجموعة من الاهداف والنتائج، ذات البعد الاستراتيجي، والتي قد يستغرق ظهورها وبلورتها عدة سنوات أو عقد أو أكثر كقضية تحقيق حل الدولتين، او حل الصراع اليمني، او قيام تحالفات امنية واسعة، او تطوير البنى الديمقراطية وتطوير مفهوم البُعد الانساني لدى الحكام او حل المعضلات البيئية والمناخية.
ولا بد في هذا السياق من اعتبار ان الهدف الاساسي للزيارة كان رغبة الرئيس بايدن في تأكيد دور اميركا كشريك مسؤول لحلفائها وأصدقائها في المنطقة، وبأن واشنطن لن تتخلى عن هذه المنطقة الحيوية للنفوذ الروسي والصيني. وبالفعل فقد اكد الرئيس بايدن ذلك في خطابه في قمة جدة بقوله:«لن نتخلى عن المنطقة، مخلفين وراءنا فراغاً تستغله الصين او روسيا او ايران لفرض نفوذها وهيمنتها... نحن سنسعى منذ هذه اللحظة لبناء قيادة اميركية فاعلة ومسؤولة، وعلى مبادئ واضحة».
تلتقي روسيا والصين على هدف اضعاف الدور الاميركي الرائد في المنطقة، وعلى تراجعه لحد الاضمحلال، ولكنهما تختلفان في الأهداف الأخرى. فالدور الروسي في الشرق الأوسط متعدد الأهداف، حيث يبدأ بالسعي لتحقيق نفوذ سياسي مركزي، على غرار ما كان عليه في مصر وسوريا والعراق والجزائر، هذا بالاضافة إلى توريد السلاح والأنظمة الدفاعية إلى مختلف الدول الاقليمية، وتوسيع العمليات التجارية معها. أما بالنسبة للصين، فإن الأمور تبدو مختلفة عن روسيا وذلك بسبب افتقار الصين للنفط، ولذلك فإن علاقتها تتركز على تأمين تدفق النفط والغاز، اما بالنسبة للعراق فإن الاهتمام الصيني يشمل الدور الذي يمكن ان يلعبه هذا البلد في بناء «طريق الحرير» الجديد.
بدأت الإدارة الديمقراطية بإظهار اهتمامها بالعودة إلى الشرق الاوسط قبل عام، ولكن زيارة بايدن قد ارادت اظهار مدى اهتمام موقع الرئاسة الاميركية في استعادة ريادة الدور الاميركي كشريك استراتيجي وموثوق سواء في الاقتصاد او الامن. وهو دور تبدو اميركا جاهزة للعبه في ظل تداعيات الحرب في اوكرانيا، وما تفرضه من تبدلات في مشهدية الجيوبوليتيك الدولي، والذي بات ينذر بالعودة إلى حرب باردة جديدة، والذي يفرض اعادة بناء تحالفات شرق اوسطية في المدى البعيد.
سعى بايدن إلى وضع الدور الايراني الذي تنظر اليه اسرائيل ومعظم الدول الخليجية كمصدر تهديد لأمنها واستقرارها، في رأس قائمة اهداف الزيارة. وبالفعل فقد وقَّع بايدن في القدس مع يائير لابيد رئيس وزراء اسرائيل «اعلان القدس» والذي تعهدت فيه واشنطن بعدم السماح لايران بامتلاك السلاح النووي، وبأنها ستكون جاهزة لاستعمال كامل قدراتها لتحقيق ذلك. في المقابل شدد الموقف الاميركي والخليجي على مركزية الجهد الدبلوماسي للحؤول دون حيازة ايران للسلاح النووي، وبما يعني متابعة جهود واشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي.
جاء الرد الايراني سريعاً ومباشراً على الموقف الاميركي من اسرائيل ومن جدة، حيث صرح كمال خرازي مستشار علي خامنئي بأن «إيران هي على عتبة الدولة النووية القادرة على صنع سلاح نووي، ولكنها لم تقرر ان تفعل ذلك». وردت اسرائيل على لسان رئيس اركانها بالقول: «يمكن ان تفشل الدبلوماسية في منع ايران من الحصول على سلاح نووي، ولذلك يبقى الهجوم في مركز اهتمامات الجيش الاسرائيلي».
في المقابل، تتركز هواجس الدول الخليجية على السياسات التي تعتمدها ايران باستعمال ميليشياتها كحزب الله والحوثيين لتهديد استقرار هذه الدول، والهيمنة عليها. ولكن الاجتماعات مع بايدن لم تتطرق إلى خطط مواجهة مثل هذه التهديدات الايرانية.
من الاهداف الرئيسية التي كان يجب ان تشملها الزيارة اجتماع الرئيس بايدن مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتبديد الارث العدائي بينهما على خلفية اتهام بن سلمان بالضلوع في مؤامرة اغتيال الخاشقجي، ويبدو ان الاجتماعات توصلت إلى بناء ارضية للتعاون بينهما، وهي حاجة بدت كل من واشنطن والرياض بأمسّ الحاجة اليها. من هنا يبدو بأن الزيارة والمباحثات التي رافقتها قد فتحت الباب على مصراعيه للتعاون ما بين المملكة والولايات المتحدة في جميع المجالات، وخصوصاً في الامن والطاقة والتجارة والاقتصاد وفي التسلح، والتعاون في مجالات اخرى تدخل في خطة التطوير التي يعتمدها ولي العهد السعودي.
لم ينجح بايدن في فتح باب التعاون بين اسرائيل والسعودية وذلك بسبب عدم ادراجه في رحلته عملية معاودة مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين في جدول افضلياته، وذلك انطلاقاً من قناعاته بعدم توافر الظروف الملائمة، وأن النجاح في اندماج اسرائيل في المنطقة يتوقف مستقبلاً على حصول اختراق فعلي في مسار السلام.