بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 حزيران 2022 07:25م العقل المغربي والهويات الجامعة والمتفرّعة

حجم الخط

المعرض الدولي للكتاب والنشر في الرباط ينظم اليوم السبت ندوة حوارية حول إشكالية الهويات الجامعة وتنازع الهويات المتفرعة، والتفكير بهذة الإشكالية الدقيقة ايقظ عندي كمواطن لبناني ذاكرة الفأر الابيض المأساوية مع الرعب والريبة في مختبرات تنازع الهويات المشرقية الجامعة والمتفرعة على مدى مئة عام وتاثيراتها الكارثية على الافراد والمجتمعات، وأدخلتني تلك الإشكالية في متاهة المصطلحات والاستشهادات التاريخية والتعريفات الفكرية والاجتماعية والسياسية وتجليات العلوم الانسانية في تعريف تعقيدات عملية تطور الوجود البشري وتشكيلاته وإشكالياته ونزعاته التاريخية العميقة.

المواطن اللبناني المشرقي يواجه تحديات مؤلمة حين يقارب إشكالية الهويات الجامعة ونزاعاتها المتفرعة نتيجة تحول كل هوية جامعة متداعية الى هوية متفرعة مما يعمق التداخل والتباين بين الهويات وتقاطعاتها وموروثاتها من ثقافات ولغات ومعتقدات وحضارات متعاقبة من السومرية والفينيقية والآرامية والكلدانية والكنعانية والفرعونية والاثينية والرومانية والابراهيمية ومتفرعاتها والقوميات والاعراق والأمميات الايديولوجية والاصوليات السلفية والهويات التجارية والحرفية والجغرافية، بالاضافة الى تراكمات الجوار الاوروبي والاسيوي والأفريقي مما يجعل من المشرق العربي الساحة الاولى لإشكاليات الهويات الجامعة وتنازع الهويات المتفرعة وتعقيدات انصهارها في هوية متجددة.

استقرار الهويات الجامعة هو تجسيد لنجاح العقل البشري بابتكار الحلول الجامعة في تأمين الحاجات البشرية الوجودية البديهية من ضرورات ورغبات ومشاعر وهواجس واحلام وتحقيق السكينة والأمان للافراد والجماعات وتلك الضرورات ثابتة ومتجددة، وعملية التطور تبقى محصورة في ادوات واليات تحقيق تلك الحاجات والرغبات وتطور الادوات فرض ضرورات متغيرة، والثورات الصناعية والاجيال الرقمية استطاعت ان تاخد البشرية في مسيرة شديدة السرعة والتداخل، واصبحت ضرورات الادوات الصناعية اكثر تعقيدا وصعوبة من الحاجات الانسانية البديهية، بالاضافة الى التطور الاعلامي والرقمي الذي شرع بتشكيل هويات جامعة ومتفرعة غير مسبوقة، وادخل الوعي البشري في متاهة ادعاء المعرفة دون التمييز بين اليقين والخيال الابداعي الافتراضي واصبح الوجود البشري غاية في التبسيط والتسطح واكثر تعقيدا نتيجة الانصهار بالهويات الوهمية الجامعة والمتفرعة بفعل الفنون المتداخلة في صناعة الهويات الوهمية الافتراضية وتحكمها في الوعي البشري الحديث.

اللحظة العالمية الاوكرانية الراهنة هي الاكثر وضوحا في تجسيد اشكالية الهويات الجامعة والمتفرعة وما تمثله نزاعات تلك الهويات من قوة تدميرية فوق نووية وفوق انسانية وعابرة للحدود والفضاءات وهي برأي اهل الاختصاص الحرب العالمية الاولى، اذ يتابعها مباشرة ما يزيد على ثلثي البشرية عبر هواتفهم الذكية ويعيشون مخاطر تلك الحروب الوجودية من النووي الى الغذاء والطاقة وتهديد الهويات الجامعة المستحدثة من منظمات أممية واتحادات قارية وتشكيلات اقتصادية وثقافية و تفكك المزيد من المجتمعات الآمنة وسقوط الرهانات الافتراضية على الأمان البشري في القرية الكونية.

مدينة الرباط عاصمة الدولة المغربية العميقة التي عرفت كيف تواجه كل محاولات العبث بالهويات الجامعة والمتفرعة، والنخب المغربية هي الاقدر على مقاربة اشكالية حرب الهويات العالمية الداهمة وتاثيرها على استقرار العالم والمنطقة، والعقل المغربي العريق والخلاق عرف كيف يوائم بين الملكية الوطنية الديموقراطية والمكون السياسي الاستقلالي والدستوري والاشتراكي والاسلامي والمدني في المجتمع الوطني الانسيابي بين شواطىء المتوسط الساكنة وشواطىء المحيط الهادرة والجبال الاطلسية الباردة والبيئة الصحراوية الدافئة والانخراط في العمق الافريقي والجوار الاوروبي وبوابات المغاربة المشرعة في مكة المكرمة والقدس الشريف وبين العراقة الفكرية والواقعية بالانصاف والمصالحة والفهم الاستباقي وتجديد العقود الاجتماعية والمواءمة بين الأصالة والمعاصرة وحماية الخصوصيات الوطنية وبين الإيمان الجامع والمعتقدات المتفرعة، والعقل المغربي والضيف الكبير يمتلكون الارادة والقدرة على الشروع في التأسيس لحوار استشرافي أشمل ومستدام يشكل شبكة أمان معرفية فاعلة وحديثة لمواجهة تداعيات إشكالية الهويات الجامعة وتنازع الهويات الفرعية في المنطقة والعالم.

[email protected]