بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 كانون الأول 2021 12:02ص الفساد يهدِّد الأسواق

حجم الخط
مفهوم الفساد واسع ولا يرتبط مباشرة فقط بسرقة الأموال العامة وحتى الخاصة.  الفساد هو غش واستغلال وكذب وتواطؤ على المواطن والمستثمر كما المستهلك.  الفساد هو سلب حقوق المواطن عبر تقديم الخدمات أو السلع السيئة والمضرة وعدم قدرته على المراجعة والاعتراض والمطالبة بالتعويضات.  عندما تتواطئ الشركات الكبيرة مع الحكومات، هذا فساد بحد ذاته خاصة عندما تكون ضحيته كما يحصل عموما حقوق الفقراء والطبقات الوسطى.  للأسف بعض الشركات الكبرى يمول المسؤولين ويدفعهم الى اتخاذ القرارات التي تناسبهم على حساب البلد.  الفساد هو أيضا محاولة الشركات الكبرى القضاء على المنافسة، خاصة المنافسين الجدد لمنعهم من التوسع والمنافسة.  الفساد كبير وموجود عالميا والفارق بين دولة وأخرى أن بعضها يحاسب وبالتالي يحد من حجم الفساد وتوسعه بينما البعض الآخر يغض النظر فينتشر الفساد كالسرطان.

عالميا النتائج الاقتصادية العامة وخسارات البورصات منذ سنوات أضعفت ثقة المستثمرين بالأسواق.  هنالك شك في أن التحالف القائم دوليا بين الحكومات وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة يطيح بحقوق صغار المستثمرين كما يسيء الى المالية العامة والاستقرار النقدي.  هذا التحالف يساهم أصلا في ايصال الأحزاب الى الحكم وبالتالي رد الجميل يصبح من واجبها.  تشير التجارب الى أن انقاذ الشركات الكبيرة عندما تتعثر يتم بسهولة تامة من قبل السلطات العامة التي تدعي أنها ترغب في المحافظة على البطالة علما أنه في أغلب الأحيان هذه الشركات تستطيع مساعدة نفسها بنفسها.

أهم اقتصاد في العالم ما زال الأميركي ليس فقط في حجمه وانما في تطور الوسائل والأدوات والأسواق والقوانين والكفاءات داخله.  يمكن تقسيم الاقتصاد الأميركي الى قطاع عام غير فاعل ومتعثر ماليا والى قطاع خاص يرتكز أكثر فأكثر على المغامرة في الأسواق بعد تفشي العملات الرقمية والأدوات الخطرة كما بسبب ارتفاع شهوة المستثمرين للأرباح السريعة. تواجد هذين العاملين في نفس الوقت لا شك يؤثر سلبا على حيوية النظام الديموقراطي ورغبة المواطنين في الاقتراع كما على شفافية وفعالية كل الأسواق في الداخل الأميركي وعالميا.

من هنا يحاول الرئيس بايدن اعادة المنطق الى الاقتصاد الأميركي بعد 4 سنوات من السياسات المتهورة التي أنتجت هجوما على الكونغرس في 6\1\2021.  هذا ما رغب الرئيس في توضيحه الى الأميركيين في خطاب الأمة في 28\4\2021 بعد 100 يوم على تسلمه السلطة.  ترتكز سياسة الرئيس على اعادة الدور الأميركي في العالم خاصة وأن التحديات كبيرة في أفغانستان والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأوروبا وغيرها وبالتالي «أميركا أولا» فقط لا تفي بالحاجة.  العالم مترابط ربما أكثر مما نرغب كما تشير اليه الأوضاع الصحية العالمية في أوروبا والهند والبرازيل وغيرهما.  تشير الاحصائيات الى تجاوب المواطنين مع دعوات وسياسات الرئيس الجديد منذ ال 100 يوم.

في الأسواق المالية، للسوابق تأثير كبير على الحاضر والمستقبل. الأسواق تتذكر خاصة وأن الدعم في الماضي حصل مع ادارات جمهورية محافظة أي مع ريغان وبوش وبالتالي لما لا تستمر هذه السياسات على حساب الاستقرار العام؟  لأن الحكومة الأميركية دعمت وأنقذت شركات في ظروف صعبة تجد نفسها مجبرة أخلاقيا وعمليا على انقاذ شركات الآن ومستقبلا.  في أزمة 2008 أو «الركود الكبير» ضخ المصرف المركزي النقد في الأسواق بحيث ارتفعت ميزانيته 1,3 ألف مليار دولار في 13 أسبوع بينما لم تتعد ال 850 مليار دولار خلال ال 94 سنة التي سبقت.  من ناحية المال، دفعت الحكومة 13 مليار دولار لشركة «جنرال موتورز» لتنقذها مدعية أن البطالة ستتضرر، علما أن الطلب في الأسواق لم يتأثر وبالتالي كان سيتحول الى شركات السيارات المنافسة.  استمرت الحكومة في انقاذ شركات أخرى في وول ستريت وفي قطاع التأمين والعقارات وغيرها وبالتالي لم يعد هنالك حدود للتدخل والانقاذ مهما كانت التكلفة على الموازنة وبالتالي على المواطن العادي.

يقول «ديفيد ستوكمان» في كتابه «التشوه الكبير» ان التحالف بين الادارات الأميركية ورؤوس الأموال الكبيرة لا يرتبط بالحزب الحاكم، اذ ان الديموقراطيين والجمهوريين يتصرفون بنفس الطريقة ويعتمدون نفس العقيدة الاقتصادية والفارق في الكلام فقط.  مشروع اوباما لدعم الاقتصاد والشركات الكبيرة الذي بلغ 800 مليار دولار مر بسرعة فائقة في الكونغرس أي أقر خلال 21 يوما. حصلت هذه الأمور في فترة فوائد منخفضة شجعت على الاقتراض على كافة المستويات وبالتالي ساهمت في تحقيق أزمة العقارات الكبيرة والافلاسات بدأ من 2007.

في سنة 2008، بلغ مجموع الديون في أميركا 52 ألف مليار دولار أو 3,6 مرة الدخل القومي بينما تاريخيا لم يتعد 1,6 مرة هذا الدخل.  جنون الاقتراض كبر الأزمة وأضر بالاقتصاد وساهم في زيادة الفساد في كل الاقتصاد.  كان هنالك الكثير من التجانس بين السياستين المالية والنقدية لدعم المصارف الكبيرة وانقاذ الشركات الكبرى.  نشير مثلا الى أن شركة «غولدمان ساكس» المالية الضخمة التي أنتجت وزراء مال متعددين حصلت على 19 مليار دولار من الأموال العامة التي لم تكن بحاجة لها لتستمر نظرا لحجمها. هنالك مصارف حصلت أيضا على الكثير من المال كدوتشي بنك وباركليز وغيرهما.

هنالك محاولات دائمة ومستمرة لتضخيم مؤشرات الأسواق لاعطاء الانطباع أن الامور تسير في الاتجاه الصحيح حتى على حساب الشفافية وحقوق الشركات الصغيرة والمواطن العادي.  هذه السياسات المرتكزة على الحوافز المالية والنقدية كبرت الأسواق على حساب سلامتها وهنا الخطورة.  ما زلنا نشهد هذه المخاطر التي تتلاعب بأموال الموطن العادي والشركات الصغيرة.

ما هي الحلول التي يتم تداولها اليوم والتي هي ركيزة سياسة بايدن:

أولا:اعادة ثقة المواطن العادي والشركة الصغيرة والمتوسطة في الأسواق بحيث يستثمرون ويكبرون دورهم في الاقتصاد.  وجود «جانيت يللن» كوزيرة مال يطمئن خاصة مقارنة بالوزير السابق الذي أتى من مجموعات الجشع المالي.

ثانيا:  ضرورة العودة الى السياسة النقدية المتوازنة من قبل المصرف المركزي وهذا ما صرح به الحاكم المجدد له، أي رقابة الضخ كي لا تكبر الأسواق في الحجم وليس في النوعية.  تكبير الأسواق عبر زيادة المخاطر يضر بالضعفاء وما أكثرهم اليوم مع الكورونا.

ثالثا:  اعتماد سياسة مالية محافظة عبر زيادة الضرائب على كبار الأغنياء لمساعدة الفقراء ولتخفيض العجز المالي ولمعالجة فجوة الدخل.

رابعا:  هنالك ضرورة لالغاء العديد من المؤسسات العامة من اقتصادية مالية وغيرها والتي لا تؤدي المطلوب منها وبالتالي الغاؤها يخفض الانفاق العام ويرشده في نفس الوقت.