بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 حزيران 2020 07:07ص الفيدرالية والتقسيم... في الوقت الضائع!

حجم الخط
فجأة دخلت على المشهد الفولكلوري السياسي مصطلحات قديمة - جديدة، مثيرة للجدل البيزنطي، ولا طائل منها، لأنها لا تُقدّم ولن تؤخر، ولا تُسمن ولن تُغني من جوع!

العودة إلى طروحات الفيدرالية واللامركزية، ونعي الصيغة الحالية، والبحث عن ميثاق جديد للعيش بين اللبنانيين، هي أشبه بعودة التاجر المُفلس إلى دفاتره العتيقة، يبحث فيها عن قروش منسيّة، بعدما فشل في تجارته الراهنة، وأعلن إفلاسه وتوقفه عن العمل، وعدم قدرته على سداد المستحقات المتوجبة عليه!

هذا هو حال الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية، التي راكمت كمية هائلة من الأخطاء، وممارسة شتّى ألوان الفساد، فكان أن وصلت إلى الحائط المسدود، وأوصلت العباد والبلاد إلى الانهيار والإفلاس، بشكل مريع، وغير مسبوق، ومن دون أن يرف جفن لأحدهم، ومن دون أن يتوارى أحد منهم عن المسرح خجلاً، وحياءً من المصير الذي وصل إليه البلد في عهدتهم.

لقد غاب عن جهابذة السياسة الذين يتشدقون بالصيغ الجديدة - القديمة مثل الفيدرالية واللامركزية وما لفّ لفهما، أنهم يتصدّون لملفات أكبر من أحجامهم الصغيرة، وأكثر تعقيداً من قدراتهم المحلية المحدودة، التي تبقى أسيرة لعبة الزواريب الضيّقة والمستنقعات الموبوءة بكل أنواع الفساد والسرقات.

الجميع يُدرك أن صيغة النظام في لبنان، شأنه معظم أنظمة المنطقة، لا يُحددها فريق سياسي واحد، أو قيادة حزبية محددة، ولا حتى أي طرف محلي بمفرده، أو مجموعة أطراف حزبية، مهما علا كعبها، لأن مثل هذه القرارات تكون غالباً نتيجة تفاهمات دولية، قد يُشارك فيها طرف إقليمي أو أكثر، ولكن لا تأخذ دائماً بخيارات الشعوب المغلوبة على أمرها، مثل حالتنا، على سبيل المثال لا الحصر!

ولادة «دولة لبنان الكبير» كانت من نتائج اتفاقيات الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وتمّ ضمّ الأقضية الأربعة إلى الدولة الوليدة رغم إرادة أهلها الذين كانوا يغلبون الانتماء إلى سوريا الكبرى.

الصيغة الاستقلالية التي توصّل إليها الزعيمان بشارة الخوري ورياض الصلح عام ١٩٤٣، كانت «ثمرة» مساومات ومفاوضات وتسويات بين الدولتين المنتدبتين على بلاد الشام وفلسطين والعراق، فرنسا وبريطانيا.

اتفاق الطائف تمّت صياغته بعناية، على ضوء أوراق عمل مبعوثين دوليين، بمشاركة لبنانيين متنورين لم ينخرطوا في الحرب القذرة، وتوصل النواب إلى إقراره برعاية دولية وإقليمية، تولت المملكة العربية السعودية تمثيلها، وتذليل العقبات التي كانت تعترضها.

والاعتراف بهذا الواقع، على مرارته، لا يقتصر على لبنان وحده، بل يشمل دولاً عديدة في الإقليم. الأزمة في سوريا تحوّلت من حركة تمـرّد وثورة داخلية، إلى «حرب دولية»، لأن تغيير النظام ليس شأناً داخلياً محضاً، بقدر ما هو قضية دولية وإقليمية، ما زالت عالقة في الصراعات التي تخوضها الدول المعنية، لتحصل على حصتها من الكعكة السورية!

وكذلك الحال مع نظام صدام حسين، الذي فشلت كل محاولات إسقاطه داخلياً، فكان لا بدّ من التدخل العسكري الخارجي المباشر، فجاءت القوات الأميركية وحلفائها إلى بغداد لتزج العراق في آتون حرب داخلية مدمرة، وتفرض على الشعب العراقي نظاماً طائفياً فيدرالياً أعرج، من دون الأخذ بأبسط خيارات الشعب العراقي.

من المضحك فعلاً في المشهد الفولكلوري الداخلي أن يتخيّل كل طرف سياسي أو حزبي، أنه قادر على التلاعب بالصيغة الوطنية، وإعادة صياغة النظام السياسي والاقتصادي، وفق رؤيته الخاصة، أو بما يتلاءم مع مصالح هذا المكوّن الطائفي أو السياسي، رغم إدراك البعض بأن اللعبة أكبر من مقدراتهم، وأن النظام الإقليمي الحالي ورعاته الدوليين، لا يسمحون لأحد بالتفرّد بتقرير مصير بلد محسوب تاريخياً على الديموقراطيات الغربية، ويتمتع بعلاقات مميزة مع عواصم القرار الدولي، ويوليه الفاتيكان أهمية خاصة بعدما أطلق عليه تسمية «وطن الرسالة».

لا ندري إذا كان أهل الفيدرالية واللامركزية ودعاة دفن الصيغة، يدركون أنهم يلعبون في الوقت الضائع، ريثما تحين ساعة الفصل الدولية والإقليمية، تماماً كما حصل طوال سنوات الحرب، حيث سادت دعوات الفدرلة والتقسيم والشرذمة، ولكنها سرعان ما تلاشت واختفت عندما حانت ساعة الحل الوطني في اتفاق الطائف!

ما أشبه اليوم بالبارحة.. رغم اختلاف شخصيات اللاعبين!