بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 نيسان 2022 07:09ص القوة الصامتة الذكية

حجم الخط
لا شك أن الصين هي القوة الصامتة الذكية التي تلعب دورا متزايدا في السياسة والاقتصاد الدوليين.  في 5\3\2022 قالت الحكومة الصينية أنها تهدف الى تحقيق نسبة نمو 5,5% هذه السنة وهو الهدف الأدنى منذ سنة 1991. اذا تحقق يعتبر هذا انجازا بعد ان تدنى النمو الصيني الى 2% في 2020.  فترات النمو المرتفعة السابقة ربما ذهبت الى غير رجعة.

ما هي التحديات التي تواجه الصين أمام تحقيق نمو قوي طويل الأمد؟  نبدأ من فجوة الدخل والثروة المتسعة كثيرا ودائما والتي يمكن أن تؤذي العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الصيني.  بطالة الـ 5% مرتفعة في مجتمع ضماناته الاجتماعية محدودة. أما الفساد، فمؤشراته ترتفع في كل أنحاء المجتمع، كما أن المعايير الدولية المعتمدة تؤكد ارتفاعه داخل الصين.  في مؤشر الشفافية العالمية تقع الصين في المرتبة 66 من أصل 180 دولة يجري تقييمها.  قيمة المؤشر هو 45 علماً أن المرتبة الأولى هي للدانمارك مع مؤشر 88 أي ما يقارب المثالية دون أن تصل اليها طبعا. سياسة الطفل الواحد التي اعتمدت لسنوات وألغيت مؤخرا جعلت المجتمع الصيني يعتمد في هيكليته على المسنين، أي هرمية معاكسة تضر بالانتاج والنمو.

أما أوضاع الشركات الصينية وخصوصا شركات القطاع العام، فتعاني من فساد وضعف انتاجية وفعالية كبيرتين وبالتالي تحتاج الى عمليات جراحية عميقة كي تصحو من كبوتها.  أما التلوث التي يعاني منه الاقتصاد فيحتاج الى تغيير أو تحديث آليات الانتاج والتكنولوجيا المعتمدة بحيث لا تضر بصحة المواطنين وتعرقل عمليتي النمو والتنمية.  لا بد وأن نضيف الى هذه العوامل الخمسة اثنين مهمين وهما الكورونا التي تعود اليوم الى الانتشار وتقلق الحكومة، وثانيا الحرب الروسية على أوكرانيا التي سيكون لها تداعيات آسيوية وعالمية كبيرة مهما كانت نتائجها.

أثرت الكورونا كثيرا على امدادات السلع وعرقلت عمل الاقتصاد العالمي وسببت زيادات كبرى في مؤشرات التضخم.  تخاف الصين من ارتفاع أسعار سلع الغذاء وهي المستوردة لها حيث بلغت الفاتورة الاستيرادية 133 مليار دولار في سنة 2019. بسبب ضعف العرض والكورونا ارتفعت أسعار سلع مهمة كالخضار في المدن الصينية حوالي 31% من شهر 11\2020 الى 11\2021.  كما أن أسعار البيض في الصين ارتفعت 20% في المدة نفسها. المواطن الصيني يفقر وصحته أسوأ والأفق لا يبشر بالانفراج.

مشكلة أسعار السلع الغذائية اذاً كبيرة للصين لكن أوضاع الطاقة لا تقل أهمية لأنها تستورد الغاز والنفط كما الفحم وبالتالي يمكن أن تتكل على روسيا لتموينها بالطاقة تحصينا للاقتصاد.  روسيا هي المصدرة الأولى للنفط للصين منذ سنة 2016، وقريبا سيكون حال الغاز الروسي.  12% من مجموع الواردات الصينية من النفط،والغاز يأتي اليوم من روسيا.  لا شك اذا أن الطاقة هي ركيزة العلاقات الروسية الصينية التي تتبدل منذ عقود بين المواجهة والتعاون تبعا للمصالح الداخلية كما الدولية.

في الحرب الروسية الأوكرانية تمارس الصين دورا صعبا بحيث لا تستطيع التخلي عن روسيا بل ترغب في التعاون معها ضد الغرب وخاصة ضد الولايات المتحدة.  في نفس الوقت تفاوض الصين الولايات المتحدة والغرب على ركائز التعاون وربما تقسيم وتوزيع المصالح الدولية ضمن المنافسة ومن دون المواجهة.  الجميع اليوم يرغب في التعاون مع الصين بسبب المأزق الروسي المتعدد الأوجه.  فالحلف الروسي الصيني قوي ومبني على مصالح اقتصادية وجغرافية أيضا، أي الطاقة من روسيا الى الصين بأسعار ميسرة تسعف الحكومة كما السلع والخدمات في الطريق المعاكسة.  كل هذه القوة الصينية بنيت عمليا منذ السبعينات بهدوء وخطى ثابتة لا شك وتحوذ على تقدير واعجاب المجتمع الدولي.

مع دنغ هسياو بينغ بدأ من 1978 أصبحت الصين فعلا قوة اقتصادية عالمية أي نظام اقتصادي حر مع نظام سياسي موجه.  هذه الازدواجية الناجحة تعطي اليوم الثمار للشعب الصيني الذي يحسن تدريجيا أوضاعه المعيشية.  بعد وفاة دنغ في سنة 1997 استطاع المسؤولون الحفاظ على الانجازات الاقتصادية بالتزامن مع الاستقرار السياسي الواضح والثابت.  لا يمكن للاقتصاد العالمي واقعا أن يتحرك في دورته العادية من دون الصين في السلع والتكنولوجيا والعلوم كما الآداب أحيانا. مؤخرا وبسبب مشاكل الامدادات في الالكترونيات تبين للعالم مدى اعتماده على الصين خاصة في الصناعات الغربية المتقدمة وفي طليعتها السيارات.

أما في العلاقات الصينية مع الولايات المتحدة، فالاقتصاد ليس كل شيء لأن موضوع تايوان الصينية يبقى في غاية الأهمية بالنسبة للدولتين.  أميركا حذرة من امكانية تحالف روسيا مع الصين كي تغزو تايوان، والصين تحشر الولايات المتحدة عبر تطوير العلاقات مع روسيا كي تحصل على أفضل الشروط والنفوذ في المؤسسات الدولية والاقليمية. هونغ كونغ تقع أيضا في قلب العلاقات الغربية مع الصين اذ أنها داخل الصين سياسيا لكن مع أفضليات ادارية واقتصادية حتى سنة 2047.  لكن ماذا بعد؟  الوقائع في هونغ كونغ على الأرض مهمة للطرفين، وما جرى من صراعات سياسية يشير الى عدم استقرار الأوضاع في المدينة الفريدة.

الطرفان الغربي والصيني يتعاملان بذكاء وشفافية وموضوعية وحذر تجنباً للأذى.  في الحرب الروسية على أوكرانيا، روسيا تتعثر اقتصاديا ليس فقط في الصادرات وانما أيضا في تسديد فاتورة الاستيراد بسبب العقوبات المصرفية القاسية. هل يمكن للصين التي لا ترغب في فوز حلف شمال الأطلسي ولو سياسيا أن تساعد الرئيس بوتين في حربه الكبيرة؟ لا يمكن لها انقاذ روسيا للأسباب الأربعة مجتمعة:

أولا: لا تستطيع الصين توفير العديد من السلع التي يحتاج اليها الاقتصاد الروسي كقطع الغيار لكافة الآليات والسيارات والمعدات.

ثانيا: الدول التي تساعد روسيا ستخضع لنفس العقوبات، وهذا ما لا تريده الصين التي ربما ترغب بالاستفادة من الحرب لتقوية موقعها تجاه كل الفرقاء.

ثالثا:  هنالك البعد الجغرافي بين العاصمتين. بالرغم من الحدود المشتركة بين الدولتين، المسافة بين مراكز القرار أي بين العاصمتين طويلة جدا أي 5800 كلم وهذا مهم جدا للنقل والمساعدات واللقاءات على أنواعها.

رابعاً:  هنالك المنافسة الاقتصادية الكبيرة بين الدولتين في آسيا وعالميا والتي تمنع عمليا ارتكاز العلاقات على الثقة بل على المواجهة الباردة.

  هذا يعني أن الصين لا يمكنها وربما لا ترغب في حماية روسيا من النتائج السلبية لحربها على أوكرانيا.  هذا الموقف الوسطي للصين صعب ممارسته، لكن الحكومة قادرة على تجنب اتخاذ المواقف الحادة حماية لها ولشعبها. 

الدكتور لويس حبيقة