بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 آذار 2022 07:08ص اللعب بالنار في الانتخابات النيابية والاستحقاق الرئاسي

حجم الخط
انتهت مهلة الترشيحات في 15 آذار على 1043 مرشحاً، بينهم 155 امرأة، ولكن من المتوقع ان ينسحب عدد منهم من السباق قبل 45 يوماً من تاريخ الاقتراع، ولكن اللعب بالنار للتعطيل مستمر.

شكلت الاحزاب والتيارات السياسية نواة لوائحها الانتخابية وهي تعمل على استكمالها تدريجياً من خلال استقطاب حلفاء لها من خارج صفوفها، كما بدأت تظهر تباعاً الاصطفافات السياسية من خلال إعلان التحالفات الانتخابية بين معظم الاحزاب والقوى السياسية. وكان اللافت مدى الاستعدادات الحثيثة لدى بعض الاحزاب لإطلاق ماكيناتها الانتخابية وخصوصاً لدى حزب القوات اللبنانية والثنائي الشيعي حركة امل وحزب الله. ويبدو جلياً الآن ان التيار الوطني الحر يستعد لإطلاق حملته الانتخابية متحالفاً مع الثنائي الشيعي ومع حلفاء آخرين من قوى 8 آذار، في الوقت الذي أعلنت فيه القوات اللبنانية تحالفها في الجبل مع الحزب التقدمي الاشتراكي.

تسود مجموعة من المخاوف والهواجس على قيادات عدد من الاحزاب الرئيسية بسبب التراجع الحاصل في مستوى التأييد الشعبي لها، ولا يقتصر الأمر على الهواجس التي بدأت للعلن لدى قيادات التيار الوطني الحر، بل هي تتوسع لتشمل امل وحزب الله، كما بلغت الحزب التقدمي الاشتراكي بعد انسحاب حليفه الاكبر تيار المستقبل من المعركة الانتخابية.

ويبدو أن قيادات حزب الله ما زالت تتوجس من التساقطات التي تسببت بها التحركات الشعبية اثناء «الثورة»، وذلك انطلاقاً من حادثتي منع النائب حسين الحاج حسن من دخول حسينية علي النهري، واحتلال مكتب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد من قبل جماعة من «الثوار». تشهد أيضاً مختلف الاحزاب والقوى حالة من الارتباك والشك والغموض بسبب حالة التشرذم والانقسام وفقدان كل قواعد التواصل والثقة مع جيل الشباب والناشطين السياسيين.

تسود المجتمع السني حالة من التشرذم والغموض منذ إعلان الرئيس سعد الحريري اعتكافه مع تيار المستقبل عن خوض الانتخابات، مع الاشارة إلى عدم توافر مرشحين جاهزين لتعبئة الفراغ الكبير الذي خلفه انسحاب التيار الأزرق ورئيسه بشكل مفاجئ من الحلبة الانتخابية.

من المؤكد ان جماعة السّنة لن تقاطع الانتخابات، وهذا ما عبّرت عنه دار الافتاء ومجمل قيادات الرأي داخل الطائفة، لكن لن يمنع هذا القرار الصريح بالمشاركة من امكانية اختراق قواعدهم الانتخابية من اختراقات كبرى لصالح حزب الله وقيادات سياسية اخرى من قوى الممانعة.

ويبقى، من دون شك، من غير المرتقب أن تتشكل في المجلس النيابي الجديد كتلة سنية وازنة، وقادرة على التأثير في التسوية السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس عون، اذا ما قرر حزب الله السير قدما في منع حصول فراغ رئاسي على غرار ما حدث بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

يمكن للقوات اللبنانية وحلفائها الاستفادة من حالة الضعضعة والتشرذم التي تسيطر على القواعد الشعبية للتيار الوطني الحر، ومن حالة النقمة الشعبية العارمة على العهد والتيار بسبب سوء أدائهما، والتسبب بالتالي بهذا التراجع المخيف في سعر صرف الليرة، وتدهور مستوى المعيشة، وبإذلال المواطنين امام محطات المحروقات وأمام المصارف، من أجل زيادة كتلتها النيابية من 15 نائباً إلى ما يزيد على 20 نائباً، وفق نتائج الاحصاءات المتوفرة حتى الآن.

أما عن كتلة حزب الله والاكثرية النيابية التي يملكها في المجلس الحالية (72 نائباً) فإن الحزب يسعى للحفاظ على كتلته الراهنة، وقد ينجح في ذلك، ولكنه لن يتمكن أن يعود مع حلفائه مع اكثرية نيابية بالحجم الحالي، وهناك مؤشرات على ان تتراوح كتلتهم ما بين 60 و65 نائباً.

من هنا يمكن الاستنتاج بأنه يبقى من مصلحة حزب الله ومحور الممانعة دعم اية جهود تبذل لتطيير الانتخابات أو تأجيلها من اجل الحفاظ على اكثريتهم المهيمنة على المجلس النيابي، وعلى تشكيل الحكومات وعملية صنع القرارات الهامة داخل مجلس الوزراء، وبما يخولهم ايضاً السيطرة على عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

في النهاية، سيشكل تصويت المغتربين مصدر قلق كبير للتيار الوطني الحر ولقوى 8 آذار، وسيواجه جبران باسيل وتياره المشكلة الكبرى في دائرة الاقضية الاربعة: البترون – الكورة – بشري وزغرتا، والتي سيترشح فيها باسيل وعدد من اعضاء تياره وحلفائهم.

ماذا عن الاستحقاق الرئاسي؟

يرتبط مصير الاستحقاق الرئاسي في آخر تشرين أول 2022 ارتباطاً وثيقاً باجراء الانتخابات النيابية وبنتائجها، وخصوصاً بقدرة التكتل الذي يهيمن عليه حزب الله على الحصول على اكثرية نيابية كبيرة في المجلس الجديد.

ويبدو بوضوح بأن حزب الله سيحافظ على دوره الاساسي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مع ترجيح اعتماد خيار دعم ترشيح أحد حليفيه جبران باسيل او سليمان فرنجية، لكن يبقى السؤال على مدى قدرة حزب الله على تأمين اكثرية الثلثين من اعضاء المجلس النيابي من جهة وعلى تأمين عدد وازن من نواب السنّة لدعم مرشحيه، بعد التجربة السيئة التي مر بها سعد الحريري نتيجة التسوية الرئاسية التي اعتمدها للتوافق مع حزب الله لانتخاب العماد عون.

لكن الحديث عن سيناريو انتخاب رئيس جديد لا يلغي امكانية اللجوء إلى تجديد ولاية الرئيس عون لفترة سنتين او ثلاث سنوات، اذا ما قرر حزب الله بالتنسيق مع حليفه السوري، وإذا توافرت الظروف الداعمة لمثل هذا الخيار داخلياً ودولياً، وبدعم ايراني حاسم.

سبق للرئيس عون ان صرح بأنه لن يترك «قصر بعبدا» للفراغ، ويعني بذلك الفراغ في السلطة، والذي يتمثل بعدم وجود حكومة فاعلة، اي حكومة تصريف اعمال منتهية الصلاحية والقدرة على اتخاذ قرارات.

كما يمكن ان يعني الفراغ عدم وجود مجلس نواب منتخب وشرعي، وصالح لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مع إصرار وتأكيد العماد عون على ان يكون صهره جبران باسيل هو الرئيس الموعود. وكان عون قد حدد مواصفات الرئيس الذي يمكن ان يسلم اليه الرئاسة، وبما يتطابق مع مقارباته التقليدية «لتطويع المستحيل» للوصول هو شخصياً إلى الرئاسة من خلال تمديد الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين ونصف، لولا الخوف من استمرار هذا الفراغ لسنوات عديدة ما كان ليغير سعد الحريري موقفه وخياره السياسي ليوصل ميشال عون إلى بعبدا.

حبذا لو يدرك عون بأن اكثرية اللبنانيين باتت لا تخاف حصول فراغ في موقع الرئاسة، وبأنها باتت تفضله على رئاسته او رئاسة ولي عهده جبران باسيل. لقد وعد عون اللبنانيين بجهنم، وها هم الآن فيها.

يمكن لعون تحقيق رغبته للبقاء في قصر بعبدا إذا تأمن لذلك شرطان، الأول: حصوله على موافقة ودعم حزب الله، والثاني: حصول فراغ في المجلس النيابي من خلال تطيير الانتخابات. ويمكن لعون ايضاً خلق فراغ في السلطة التنفيذية من خلال عرقلة او منع تشكيل حكومة على ان يشكل الفراغ الحاصل في مجلس الوزراء كحجة للبقاء في القصر الجمهوري منعاً للفراغ. وإذا كان لا يمكن تحقيق ذلك على البارد فإنه يبقى من السهل افتعال حادث امني ليجري على الساخن.