النظام القضائي اللبناني مؤلف من نوعين من المحاكم: محاكم عادية ومحاكم استثنائية. القضاء العدلي هو ركيزة هذا النظام الأساسية. ينظر القضاء العدلي بنوعين من القضايا: قضايا جزائية وقضايا مدنية. تنظر في هذه القضايا محاكم جزائية او مدنية وفق تسلسل هرمي وعلى ثلاث درجات.
المحاكم العدلية الجزائية العادية تملك صلاحية النظر في جميع الجرائم بموجب نص خاص هو قانون العقوبات العام والقوانين الجزائية الرديفة التي تكمله وتشكل معه البلوك التشريعي الجزائي. كل هذا ما لم يرد نص خاص يجعل الأفعال من صلاحية محاكم خاصة.
هذه المحاكم الخاصة هي المحاكم الإستثنائية التي تنظر حصرا في قضايا معينة حددتها تشريعات خاصة ووفق اصول خاصة تختلف عن تلك المعتمدة في المحاكم العادية إن لجهة طريقة تشكيل المحكمة أو لجهة انواع الجرائم التي تنظر فيها او انواع الأحكام التي تصدر بنتيجتها او طرق الطعن فيها ...
المحاكم الإستثنائية في لبنان هي: محكمة الأحداث، محكمة المطبوعات، مجلس العمل التحكيمي، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، المجلس العدلي والمحكمة العسكرية...
قضاء الأحداث هو الذي يختص بالنظر في جرائم الأحداث اي اولئك الذين لم يكونوا قد بلغوا سن الثامنة عشرة عند ارتكابهم الفعل المشكو منه، وذلك وفق اجراءات محاكمة خاصة تختلف عن الإجراءات العادية إن لجهة نوع العقوبات أو لجهة طرق الطعن للأحكام...
من جهة اخرى ينحصر اختصاص محكمة المطبوعات بالنظر في الجرائم المرتكبة بواسطة النشر في وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع وفق تشريع خاص هو قانون المطبوعات ووفق قاعدة خاصة في موضوع المسؤولية وهي مسؤولية رئيس التحرير الحكمية.
اما مجلس العمل التحكيمي فهو محكمة يغلب عليها الطابع المدني لأن القضايا التي ينظر فيها المجلس هي نزاعات العمال مع ارباب العمل ولهذا يكون المجلس مؤلفا من ثلاثة اعضاء: رئيس وهو من قضاة الملاك العدلي وعضوين الأول يمثل ارباب العمل والثاني يمثل العمال والنيابة العامة لديه هي وزارة العمل والشؤون الإجتماعية. ولهذا يعد هذا المجلس محكمة مهنية خاصة ذات طابع قضائي.
اما في ما يتعلق بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء فإننا نتحفظ على اعتباره «محكمة» لأنه لا يخضع لقانون العقوبات العام ولا الى اي نص جزائي خاص ولا لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات ذلك ان الأفعال المعتبرة جرمية هي تلك المنصوص عليها بالدستور، كما انه لا توجد لائحة بالعقوبات. لذلك يكون هذا المجلس اقرب الى محكمة سياسية منه الى قضاء استثنائي حقيقي.
بخلاف ذلك يعتبر المجلس العدلي محكمة استثنائية بامتياز إن كان لناحية عدد القضاة الذين يؤلفونه، وهم خمسة بدلا من ثلاثة او لطريقة وضع يده على الدعوى (مرسوم احالة من الحكومة)، أو لجهة آلية عمله. المحاكمة لديه تتم على درجة واحدة، والأحكام الصادرة عنه لا تقبل اي طريق من طرق المراجعة العادية. لذلك ارتفعت اصوات تطالب بالغائه او على الأقل ان تكون المحاكمة لديه على درجتين وان ينشأ هيئة اتهامية.
ويبقى القضاء العسكري هو اهم محكمة استثنائية واكثر محكمة تتعرض للنقد والمطالبة الدائمة بإلغائها وحصر صلاحيتها بالنظر بالجرائم العسكرية فقط.
يقترن اسم المحكمة العسكرية باسم «المحكمة الميدانية» التي يتم انشاؤها في زمن الحرب لمحاكمة العسكريين عن الجرائم العسكرية وتنفذ احكامها في الميدان نفسه.
لكن هذه المحكمة في لبنان لم تبقَ عسكرية صرفة بل توسعت صلاحيتها منذ تاريخ دخولها العمل وحتى صدور قانون العقوبات العسكري في العام 1968 الذي كرس الصلاحيات الجديدة للمحكمة العسكرية. ومن اهم هذه الصلاحيات هي حق المحكمة بمحاكمة مدنيين اشتركوا مع عسكريين في ارتكاب جرائم و محاكمة مدنيين وحدهم اذا ارتكبوا بعض الأفعال مثل التجسس والخيانة العظمى والإتصال غير المشروع بالعدو...
لقد كانت الغاية من توسيع صلاحيات المحكمة العسكرية على هذا النحو هي انزال عقوبة سريعة بمرتكبي الجرائم الواقعة ضمن اختصاصها لأن لا قيمة لقانون اذا لم يكن الحكم سريعا. وقد دأبت المحكمة العسكرية على اصدار احكامها بنفس اليوم الذي انعقدت فيه جلسة المحاكمة.
لكن ما اراده مناصرو المحكمة العسكرية كان موضع انتقاد شديد من مناهضيها الذين يعتبرون ان صلاحية المحكمة العسكرية لمحاكمة مدنيين يهدر قاعدة المساواة المنصوص عنها في المادة 7 من الدستور ويقتضي ان يحاكم المدني امام قضائه الطبيعي اي المحاكم العادية وفقا لما اعتمدته المواثيق الدولية المختلفة.
من جهة اخرى يعيب مناهضو المحكمة العسكرية عليها ان عدم تعليل الحكام ينسخ مبدأ اساسيا هو مبدأ «المحاكمة العادلة». هذا فضلا عن أن ثمة شك في حيادية هذه المحكمة لأنها تخضع لسلطة وزير الدفاع وللسلطة العسكرية العليا وبنفس الوقت لا تخضع اعمالها لرقابة التفتيش القضائي لأن قضاتها ما عدا واحدا من العسكريين.
وعلى الرغم مما تقدم من الضروري ان تبقى المحكمة العسكرية قائمة ولكن ان تكون عسكرية وحسب اي تحاكم العسكريين وحدهم ومن هم في حكمهم. ويبدو أن القيميين على هذه المحكمة قد وعوا هذه الإنتقادات لذلك نلاحظ منذ مدة ان المحكمة بدأت الإمتناع عن محاكمة المدنيين الا في حالات خاصة واحالتهم الى قضاتهم الطبيعيين.
------------------
* مدعي عام التمييز سابقاً