بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 شباط 2019 12:33ص النازحون: تهديد «مصيري» للحكومة ولبنان

حجم الخط
فشلت سياسة «النأي بالنفس» التي أعلنتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في رأب الصدع الذي تسببت به ارتدادات الأزمة السورية على لبنان في ظل تفاقم أزمة النازحين السوريين، ومخاطرها البعيدة الأمد على لبنان. ولم ينفع تكرارها في البيانات الوزارية للحكومات المتلاحقة، حيث بقيت شعاراً سياسياً دون أي مضمون، وهو الأمر الذي كان يدركه منذ البداية من اجتهد في إيجاد هذا المخرج اللغوي تفادياً لمواجهة محتملة مع حزب الله وقوى 8 آذار الداعمة للنظام السوري سياسياً وعلى الأرض إذا ما استعملت عبارة «تحييد لبنان» عن الصراع السوري وغيره من الصراعات. 
يشكل النزوح السوري خطراً حقيقياً على لبنان والأردن وتركيا، كما تجاوزت اخطارها حدود المنطقة لتصل الى قلب أوروبا، والتي عملت حكوماتها على احتوائه بكل الوسائل المتاحة، وصلت الى حد الاغراءات المالية الكبيرة لدول اللجوء الثلاث لقاء تسهيل عملية توطينهم حيث هم. 
من حق لبنان واللبنانيين على اختلاف احزابهم ومواقفهم السياسية من النظام السوري أن يشعروا بأن النزوح السوري بات يشكل تهديداً مصيرياً على الكيان اللبناني، وبأن الأزمة لن تكون عابرة، في ظل ما يحاك من مؤامرات دولية حول مستقبل سوريا، وفي ظل المخططات المطروحة سواء لجهة تقسيمها الى مناطق نفوذ إقليمية ودولية، مع خطوط فصل متحركة بين مناطق النفوذ هذه، أو لجهة الإبقاء على جيوب عديدة لمجموعات إرهابية من بقايا داعش والدولة الإسلامية، قادرة على إعادة تنظيم صفوفها للانطلاق من جديد في حرب ثورية، قد تستمر لعقود مقبلة. 
تعدت أزمة النزوح السوري بمفاعيلها الابعاد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للنازحين وللمجتمعات المضيفة لهم، وباتت تشكل ازمة سياسية ضاغطة على النظام اللبناني، وان ما يزيد من مخاطرها هو هذا الانقسام الحاد بين فريقين: أحدهما يؤيد النظام السوري ويلح في الانفتاح عليه وإعادة تطبيع العلاقات معه، كمدخل لإعادة النازحين، وآخر يعارض مثل هذا الانفتاح وعلى أساس انه يشكل عملية التفاف على السيادة اللبنانية، بحيث يؤدي الانفتاح الى إعادة النفوذ السوري الى لبنان وفرض وصايته من جديد. 
في عام 2016 وقبل أن يدرك اللبنانيون الاخطار البعيدة المترتبة جراء ازمة النزوح السوري وبطلب من الرئيس ميشال سليمان، وضمن عمل لقاء الجمهورية وضعت دراسة مستفيضة عن ازمة النزوح بكل ابعادها، وتطرقت الى كل الأخطار التي يتعرض لها لبنان في المدى البعيد، وذهبت الى التنبيه بالقول «بأنها باتت تشكل مجموعة تهديدات مصيرية على الاستقرار العام في لبنان على المستويين الديمغرافي والسياسي».
أدركت في سياق دراستي للموضوع مخاطر انقسام القوى السياسية اللبنانية حول الموقف من الأزمة السورية وحول العلاقة مع النظام في دمشق وبأن ذلك سيؤدي الى طرح مسألة النزوح السوري في سوق المزايدات السياسية والعمل على توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية خاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا.
ويبدو الآن أن ما توقعته من تهديدات ومخاطر قد تحوّل الى حقيقة سياسية مطروحة على طاولة مجلس الوزراء، بعد ما شهدته الجلسة الأولى للحكومة الأسبوع الماضي، وتجاذبات من مناقشات حادة حول زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين الى دمشق، والتي شكلت خروجاً سياسياً على صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة وعلى سلطة مجلس الوزراء مجتمعاً، لجهة إقرار الزيارة أو لجهة تحديد سياسة لبنان لإعادة النازحين. 
ينذر ما حدث على طاولة مجلس الوزراء بتفاقم الانقسامات السياسة حول العلاقة مع سوريا وحول الاجتهادات لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري والتي ستأتي بمثابة انتصار فريق 8 آذار على الفرقاء الآخرين، بخطر تفجير الحكومة أو على الأقل شل عملها أو منعها من العمل بجدية لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي، من خلال الانصراف لعمل جدي لتنفيذ مقررات «سيدر». ما حدث في مجلس الوزراء مرشح لأن يتكرر، في ظل وجود قوى سياسية ساعية لاستعادة النفوذ السوري الى لبنان بكل الوسائل المتاحة، وخصوصاً من بوابة عودة النازحين أو النقل البري عبر ممر نصيب.
يتطلب خطر استمرار هذا التجاذب السياسي ان يعمل الرئيسان عون والحريري على دعوة رؤساء الكتل والأحزاب السياسية للمشاركة في خلوة للاتفاق على الخطوط العريضة لسياسة لبنان في شأن عودة النازحين. على أن تتولى الاشراف عليها لجنة برئاسة رئيس الحكومة وبعضوية وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والمالية والاقتصاد والعدل، ووزير الدولة لشؤون النازحين. 
على جميع القوى أن تدرك بأن الحل لن يكون قريباً، وقد يتطلب سنوات لا بل عقود، ولذلك لن يكون من الحكمة استعماله في سوق المزايدات لتعطيل مؤسسات الحكم والدفع بلبنان نحو المصير المجهول.
العميد الركن
نزار عبد القادر